تطورات كبيرة تحدث في المحيطين العربي والاسلامي يمكن اعتبارها تأسيسا للتغيير الذي طال انتظاره. واذا كان الطغاة يعولون على امكاناتهم المادية فحسب، فان المظلومين المدافعين عن انفسهم والمطالبين بحقوقهم يبذلون جهودا مضنية لتحقيق التغيير ويؤمنون بوجود مدد غيبي من الله سبحانه تدعم جهودهم وتضاعف آثارها، وتضعف شأن الظالمين وتكسر اسلحتهم. ويمكن استعراض بعض التطورات ذات الصلة بحتمية التغيير في ما يلي:
اولا: ان السعودية التي يعتبرها الخليفيون الداعم� الاساس لها تضعف يوميا، خصوصا مع مرض الملك سلمان بن عبد العزيز واقتراب الاستحقاق الوراثي في مجال الحكم، وما سيصاحبه من لغط سياسي واختلافات داخل البيت السعودي نفسه. فقد هزمت في اليمن اخلاقيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا، واصبحت اصابع الاتهام توجه لها بارتكاب جرائم حرب على نطاق واسع. وقد سحبت الامارات قواتها من اليمن، فاصبحت السعودية متهمة بكافة جرائم الحرب التي ترتكب هناك. فالسعودية متهمة باستهداف المستشفى الذي تديره منظمة “أطباء بلا حدود” وقتل وجرح العشرات من المرضى والاطباء والممرضين، وهي متهمة كذلك باستهداف مدرسة للاطفال وقتل عشرات منهم في واحدة من اشد المجازر الوحشية التي ارتكبتها السعودية. وقد هدد بان كي مون باعادة السعودية لقائمة الدول التي تنتهك حقوق الطفل. وهذا يعني ان السعودية ليست في وضع تحسد عليه، بل ان ظروفها السياسية والاقتصادية اضعفت موقها كثيرا، خصوصا مع تسليط الاضواء على معاملة المرأة وغياب الحريات واستمرار اعتقال الكتاب والنشطاء مثل رائف بدوي وغيره.
ثانيا: بيان خبراء الامم المتحدة حول اوضاع البحرين، يعتبر فريدا من نوعه، خصوصا لجهة اختياره الكلمات والمصطلحات. فقد شجب البيان سياسات طاغية البحرين الذي يستهدف السكان الاصليين في وجودهم وعقيدتهم. وعبر عن ذلك بمصطلح “الاضطهاد” وهي سابقة لها مضمونها الخطير على العصابة الخليفية. فالاضطهاد احد انواع الجرائم ضد الانسانية، لانه يتضمن استخدام القوة في غير مكانها ولتحقيق اهداف غير مشروعة، وبهدف تركيع الطرف الآخر او القضاء عليه او اهانته او استعباده، وجميع ذلك جرائم ضد الانسانية. وما تمارسه العصابة الخليفية هذه الايام من استهداف مباشر للعلماء باعتقالهم والتنكيل بهم وسحب جنسيات بعضهم، ومنعهم من امامة صلاة الجمعة، كل ذلك يؤكد الاضطهاد الخليفي الذي يعتبر احدى وسائل الابادة. يضاف الى ذلك ان الحصار المتواصل على منطقة الدراز هو الآخر جريمة ضد الانسانية، فسكان الدراز محاصرون ويتعرضون يوميا للاهانة والاستعباد من قبل القوات الخليفية التي تتكون في اغلبها من المرتزقة الاجانب. الشيخ عيسى احمد قاسم، رمز الوطن والدولة الحديثة ودستور البلاد الشرعي مهدد بالسجن والابعاد بعد قرار الديكتاتور سحب جنسيته قبل محاكمته. وجسد الشيخ كرامة الشعب والوطن وشموخ الاحرار برفض حضور المحكمة الخليفية التي اصبحت بوقا قبيحا لديوانه، وانحصرت مهماتها بنقل قرارات جلاديه ومعذبيه للضحايا تحت سقف القضاء. وقد جاء تصريح الخبراء الخمسة صفعة قوية ليس للخليفيين فحسب، بل داعميهم في لندن وواشنطن، لانه كشف بوضوح ليس فيه لبس او غموض بان الخليفيين يضطهدون السكان الاصليين بشكل متعمد ومتواصل.
ثالثا: التغير في الجغرافيا السياسية في إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا التي استهدفت حزب العدالة والتنمية الحاكم، واسقاط رئيسه المنتخب، رجب طيب أردوجان. صحيح ان الانقلاب فشل، ولكن صفحته لم تطو بعد، بل ان تبعاتها ستلاحق القوى التي شاركت في التخطيط له ودعمته. وهنا لا تبدو السعودية والامارات والبحرين جهات بريئة، بل انها متهمة بدعم الانقلاب، كما فعلت في مصر، بدعم الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الفتاح السيسي واسقط به الرئيس المنتخب، محمد مرسي، وضرب به جماعة الاخوان المسلمين بدون رحمة. الانقلاب التركي كسر التوازن السياسي القائم في المنطقة منذ سنوات، وأسس لتحالفات جديدة ليست لصالح السعودية وحليفاتها. كما انه ليس لصالح القوى الغربية التي لم تقف ضد الانقلاب عندما حدث، بل كانت تصريحاتها تتضمن قبوله وعدم الاعتراض عليه. ولذلك كان الغضب الذي انتاب اردوجان وحزبه فظيعا لانه شعر بموقف خياني ممن كان يعتبرهم حلفاء له سواء في الازمة السورية ام على صعيد حلف الناتو او في اطار الاتحاد الاوروبي. ووفقا للمعلومات التي رشحت فان الايرانيين والروس اكتشفوا المخطط الانقلابي قبل وقوعه واخبروا الحكومة التركية به فكانت مستعدة له. ومن المؤكد ان تغييرا كبيرا طرأ على قناعات الساسة الاتراك، فاصبحوا اكثر تقاربا من ايران وروسيا، وما يزالون يضغطون على الولايات المتحدة لتسليمها المعارض التركي المتهم بالتخطيط للانقلاب، فتح الله غولن. ان هذا تغير استراتيجي في المنطقة سوف ينعكس سلبا على الوضع السعودي بشكل كبير ويوفر بديلا “سنيا” لها بعد ان احدثت شرخا كبيرا في جسد العالم الاسلامي وبثت الطائفية والمذهبية بوتائر غير مسبوقة. وليس مستبعدا ان يكون تغير الموقف التركي بداية النهاية للهيمنة السعودية على العالم الاسلامي لانه سيؤدي الى تعرية الحكم السعودي ويعيد التوازن الى الموقفين العربي والاسلامي، ويضعف تحالف قوى الثورة المضادة الذي تتزعمه السعودية و “اسرائيل”.
رابعا: ان الوضع في البحرين بلغ ذروته في الاستقطاب، فما عاد هناك الا فريقان: الشعب البحراني الاصلي، من الشيعة والسنة، والعصابة الخليفية واذيالها من المنتفعين والانتهازيين والمتسلقين. ولم يكن هذا الاستقطاب يوما واضحا كما هو عليه اليوم. فالصراع يدور بين الشعب والعائلة� الخليفية المدعومة من الخارج. وحتى الذين كانوا ينتهجون منهجا “وسطيا” بمعنى القبول بالحكم الخليفي في مقابل الحصول على بعض الحقوق، ادركوا عدم جدوى تلك السياسة، لان الخليفيين يريدون كل شيء ولا يسمحون لاحد بشيء. في مملكة الصمت والمنع ومصادرة الحريات ودولة القبيلة الواحدة والحاكم المتسلط على الناس بالمرتزقة الاجانب، اصبح التعايش مع منظومة الحكم مستحيلا. فحتى الجمعيات السياسة ادركت عدم جدوى التعويل على العمل داخل تلك المنظومة، فهي ممنوعة من العمل السياسي الحر، وقد اعتقل الامناء العامون للجمعيات السياسية الاربع لانهم عبروا عن آراء ومواقف لا تنسجم مع ما يريده الديكتاتور الذي اصبح ذيلا للسعوديين بعد ان سلمهم السيادة على البلاد. هذه الجمعيات فقدت مبررات وجودها بعد ان تعذر عملها واصبحت اسيرة للقوانين الخليفية التي تمنع العمل السياسي الحر وتصادر الحريات، وترفض منح هذه الجمعيات ترخيصا بتنظيم مسيرة او احتجاج. هذه الحقائق تؤكد صحة موقف الثوار الذين اخذوا على عاتقهم مسؤولية التغيير بالاساليب السلمية والعصيان المدني، ودعوا علنا باسقاط نظام الحكم الخليفي، ورفضوا تكرار تجربة الماضي بتمكين السفاحين الخليفيين من رقاب الشعب مرة اخرى. ان هذه التطورات تشير الى تبلور واقع اقليمي جديد تتلاشى فيه الهيمنة السعودية وتسقط فيه انظمة الاستعباد والقهر والديكتاتورية، وهذا ما سيحدث بعون الله تعالى
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين