استخدام الأوامر العسكرية الإسرائيلية ا لجائرة في قمع فلسطينيي الضفة الغربية بلا حقوق منذ الولادة

Posted by: Sammi Ibrahem,Sr

بلا حقوق منذ الولادة

  1. مُلخص
  2. المنهجية
  3. I. الخلفية
  4. II. المعايير القانونية: الحقوق المدنية في ظلّ الاحتلال المطوّل
  5.   III. الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي تنتهك الحقوق المدنية للفلسطينيين
  6. IV. الحق في التجمع السلمي
  7. V. الحق في حرية تكوين الجمعيات
  8. VI. الحق في حرية التعبير
  9. التوصيات
  10. شكر وتنويه

بلا حقوق منذ الولادة

استخدام الأوامر العسكرية الإسرائيلية ا لجائرة في قمع فلسطينيي الضفة الغربية

مُلخص

حرم الجيش الإسرائيلي أجيالا من فلسطينيي الضفة الغربيّة من حقوقهم المدنية الأساسية، بما في ذلك الحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير، بالاعتماد بشكل منتظم على أوامر عسكرية صادرة منذ أيام الاحتلال الأولى. حتى لو كانت هذه القيود مبررة آنذاك لحفظ النظام العام والسلامة العامة، فإن الاستمرار في تعليق الحقوق الأساسية بعد أكثر من نصف قرن – دون أي تغيير في الأفق – هو انتهاك لمسؤوليات إسرائيل الأساسية بموجب قانون الاحتلال.

مسؤوليات سلطة الاحتلال تجاه حقوق السكان المحتلين تزيد مع فترة الاحتلال. لا تزال إسرائيل تسيطر بشكل أساسي على الضفة الغربية، رغم تمتع السلطة الفلسطينية بحكم محدود في بعض المناطق، إلا أنها لا تمنح للأشخاص الذين يعيشون تحت سيطرتها الحقوق التي يستحقونها، بما في ذلك الحق في المعاملة المتساوية بصرف النظر عن العرق أو الدين أو الهوية الوطنية. كان على إسرائيل منذ زمن طويل احترام حقوق الفلسطينيين، وذلك باستخدام الحقوق التي تمنحها للمواطنين الإسرائيليين كمعيار، وهو التزام قائم بصرف النظر عن أي ترتيبات سياسية في الأراضي المحتلة حاضرا ومستقبلا.

في 7 يونيو/حزيران 1967، احتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصدر إعلانا عسكريا سمح بتطبيق “نظام الدفاع (الطوارئ) لسنة 1945” (نظام الدفاع لسنة 1945)، الذي أصدرته سلطات “الانتداب البريطاني” لإخماد الاضطرابات المتصاعدة. مكّن نظام الدفاع لسنة 1945 السلطات، من بين أمور أخرى، من إعلان الجمعيات التي تعمل على “كره أو ازدراء… أو التحريض على عدم الولاء” للسلطات “جمعية غير مشروعة”، وتجريم الانتماء لها أو حيازة مواد تخصها أو متعلقة بها، ولو بشكل غير مباشر.

في أغسطس/آب 1967، أصدر الجيش الإسرائيلي “الأمر العسكري رقم 101″، الذي يجرّم المشاركة في تجمعات تزيد عن عشرة أفراد بشأن موضوع “يُمكن تفسيره كسياسي” دون ترخيص، وتصل عقوبة ذلك إلى السجن عشر سنوات. يحظر هذا الأمر أيضا نشر أي مادة “لها دلائل سياسية” أو إظهار “أعلام أو رموز سياسية” دون إذن عسكري. بعد أكثر من 52 عاما، يستمر الجيش الإسرائيلي في محاكمة وسجن الفلسطينيين بموجب نظام الدفاع لسنة 1945 والأمر العسكري رقم 101 لسنة 1967.

في 2010، أصدر الجيش الإسرائيلي “الأمر العسكري رقم 1651″، الذي حلّ مكان 20 أمرا سابقا، وفرض عقوبة السجن عشر سنوات على كل من “يحاول، شفويا أو بأية طريقة أخرى، التأثير على رأي الجمهور في المنطقة [الضفة الغربية] بشكل يمسّ سلامة الجمهور أو النظام العام” أو “ينشر أقوال مدح، مناصرة أو دعم لمنظمة معادية، بأعمالها أو بأهدافها “، ويعتبر ذلك “تحريضا”. كما تضمّن هذا الأمر صياغة مبهمة لـ “مخالفات ضد سلطات المنطقة” تصل عقوباتها إلى السجن المؤبد لكل “فعل أو تقصير من شأنهم أن يمسوا أو يضرّوا أو يعيقوا أو يعرضوا للخطر أمن المنطقة أو أمن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي” أو دخول أو “التواجد بقرب” أملاك تابعة للجيش أو الدولة.

يمنح قانون الاحتلال لسلطات الاحتلال صلاحيات واسعة لتقييد الحقوق، لكنه يفرض عليها قيودا أساسية، تشمل الالتزام بتسهيل الحياة العامة للشعب المحتل. استخدم الجيش الإسرائيلي لأكثر من 50 عاما أوامر عسكرية فضفاضة لاعتقال الصحفيين والنشطاء الفلسطينيين وغيرهم بسبب تعبيرهم وأنشطتهم، والكثير منها سلمية، مثل الاحتجاج أو انتقاد أو معارضة السياسات الإسرائيلية. صيغت هذه الأوامر بطريقة فضفاضة لدرجة أنها تنتهك التزام الدولة المكفول في القانون الدولي لحقوق الإنسان بتوضيح السلوكيات التي قد تتسبب في عقوبات جنائية. في حالات أخرى، تستخدم السلطات الإسرائيلية بشكل تعسفيّ تُهما مشروعة ضدّ النشطاء، مثل تلك المتعلقة بمخالفات التعدي أو التحريض، لتكميم معارضة حكم إسرائيل. تعليق حقوق الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى أدّى إلى شلّ قدرتهم على التمتع بحياة عامة وسياسية أكثر اعتيادية.

رغم أن طول مدّة الاحتلال أتاح للسلطات الإسرائيلية الكثير من الوقت والفرص لوضع سياسات أقل تقييدا، إلا أنها استمرّت في الاعتماد على نفس الأوامر العسكرية إلى اليوم، ما تسبب في حرمان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلالها من حقوقهم المدنية الأساسية.

في الواقع، تذهب السلطات الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك، وتُنكر أنّ التزاماتها الحقوقية تشمل معاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. قوبل هذا الموقف بالرفض، بما في ذلك من قبل “لجنة حقوق الإنسان الأممية” و”محكمة العدل الدولية”، التي أقرّت في رأي استشاري سنة 2004 أن أهم معاهدة دولية للحقوق المدنية والسياسية – “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” (العهد الدولي) – “ينطبق على الأفعال التي تأتيها دولة أثناء ممارستها لولاية قضائية خارج أراضيها”، إلى جانب قانون الاحتلال.

يدرس هذا التقرير تأثير هذه الأوامر على الحياة العادية للفلسطينيين في الضفة الغربية، ومشروعيتها بعد أكثر من نصف قرن من الاحتلال، الذي ليس له نهاية في الأفق. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “ستستمر القوات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في السيطرة على المنطقة بأكملها، حتى [نهر] الأردن”.[1]

لا يغطي هذا التقرير كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهو يستثني القدس الشرقية، حيث تطبّق إسرائيل قانونها الداخلي بعد أن ضمّتها في 1967 في خطوة أحادية لا تغيّر من وضعها كأرض محتلة بموجب القانون الدولي، وكذلك غزة، حيث فكّكت إسرائيل سنة 2005 الحكومة العسكرية التي كانت هناك منذ 1967. التقرير لا يغطي أيضا حرمان إسرائيل فلسطينيي الضفة الغربية من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يُسلّط التقرير الضوء على ثماني حالات توضيحية في الضفة الغربية استخدمت فيها السلطات الأوامر العسكرية، وتحديدا الأمرين 101 و1651، ونظام الدفاع لسنة 1945، لمحاكمة فلسطينيين في محاكم عسكرية بسبب تعبيرهم السلمي أو مشاركتهم في جماعات أو مظاهرات سلمية.

يستند التقرير إلى 29 مقابلة، أساسا مع معتقلين سابقين ومحامين يمثلون رجالا ونساء فلسطينيين عالقين في نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، وكذلك إلى مراجعة لوائح اتهام وقرارات لمحاكم عسكرية. أرسلت “هيومن رايتس ووتش” إلى الجيش الإسرائيلي، والشرطة و”جهاز الأمن الداخلي” (“شين بيت” بالعبرية) أسئلة مفصلة، والتمست وجهات نظرهم ومعلومات إضافية عن القضايا التي يغطيها التقرير، واستلمت إجابات موضوعية من الجيش والشرطة والتي ضميّناها إلى التقرير وأضفناها إلى الملاحق.

قام الجيش الإسرائيلي، بين 1 يوليو/تموز 2014 و30 يونيو/حزيران 2019، وبحسب البيانات التي قدمّها إلى هيومن رايتس ووتش، بمحاكمة 4,590 فلسطينيا لدخولهم “منطقة عسكرية مغلقة”، وهو تصنيف تضفيه بشكل متكرر تلقائيا على مواقع الاحتجاجات، و1,704 لـ” العضوية والنشاط في جمعية غير مشروعة”، و358 بسبب “التحريض”.

تعتمد قوات الاحتلال الإسرائيلية على أوامر عسكرية تسمح لها بمنع الاحتجاجات غير المرخص لها أو بإنشاء مناطق عسكرية مغلقة أو بسحق المظاهرات الفلسطينية السلمية في الضفة الغربية واعتقال المشاركين فيها. مثلا، في 2016، احتجز الجيش الإسرائيلي الناشط الحقوقي فريد الأطرش، الذي يعمل لدى “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان”، وهي هيئة شبه رسمية تابعة للسلطة الفلسطينية، أثناء مظاهرة سلمية في الخليل للمطالبة بإعادة فتح طريق أساسي وسط المدينة والذي يمنع الجيش الفلسطينيين من الوصول إليه. وجهت النيابة العسكرية له تهمتي “التظاهر دون ترخيص” بموجب الأمر العسكري رقم 101 ومحاولة “التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بشكل يمسّ سلامة الجمهور أو النظام العام” عبر “التحريض” على الهتاف و”رفع أعلام السلطة الفلسطينية” وحمل لافتة كُتب عليها “افتحوا شارع الشهداء”. كما اتهمته النيابة العامة بدخول “منطقة عسكرية مغلقة” و”الاعتداء” على جندي، دون أن تقدّم أي أدلّة فعلية تثبت هذه المزاعم، باستثناء مشاركته في المظاهرة السلمية. أفرجت السلطات عن الأطرش بكفالة بعد أربعة أيام، لكنها مستمرة في محاكمته بسبب المشاركة في هذه المظاهرة رغم مرور ثلاث سنوات ونصف عليها.

قال الناشط عبد الله أبو رحمة لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش الإسرائيلي احتجزه ثماني مرات منذ 2005 بسبب مشاركته في احتجاجات ضدّ مسار جدار العزل الإسرائيلي في قريته بلعين. في مايو/أيار 2016، احتجزته السلطات 11 يوما بعد أن نظم سباق دراجات بمناسبة “يوم النكبة”، ذكرى تهجير الفلسطينيين الذي حصل أثناء إنشاء دولة إسرائيل سنة 1948. حكمت عليه محكمة عسكرية بالسجن أربعة أشهر بموجب الأمر العسكري رقم 1651 بتهمة دخول “منطقة عسكرية مغلقة” و”إعاقة جندي”. احتجزه الجيش أيضا لـ 23 يوما أواخر 2017 بعد أن وضع عصا حديدية على الجدار العازل في حركة احتجاجية رمزية أثناء إحدى المظاهرات. في سبتمبر/أيلول 2019، اعترف بتهمة “تخريب منشأة تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي” بموجب الأمر العسكري رقم 1651 لتجنب عقوبة قد تكون أطول.

منذ 1967، حظرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أكثر من 411 منظمة، منها جميع الأحزاب الفلسطينية الكبرى، بما في ذلك “حركة فتح”، حزب الرئيس محمود عباس. استنادا إلى الأمر العسكري رقم 1651، وضع الجيش خالدة جرار (56 عاما)، عضو “المجلس التشريعي الفلسطيني”، رهن الاحتجاز الإداري دون محاكمة أو تهم من يوليو/تموز 2017 إلى فبراير/شباط 2019، بسبب نشاطها السياسي مع “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” (الجبهة الشعبية)، وهي جماعة مؤلفة من حزب سياسي وجناح مسلح كان قد شنّ هجمات على عسكريين ومدنيين إسرائيليين. لم تزعم السلطات أبدا أن خالدة شاركت شخصيا في أنشطة مسلحة. انتماؤها إلى الجبهة الشعبية تسبب لها أيضا بالسجن من أبريل/نيسان 2015 إلى يونيو/حزيران 2016 بعد أن اعترفت بتهمتي “العضوية في جمعية غير مشروعة” بموجب نظام الدفاع لسنة 1945 و”التحريض” بموجب الأمر العسكري رقم 1651، تجنبا لعقوبة أطول، على خلفية خطاب ألقته في تجمع لأسرى فلسطينيين يُزعم أنها دعت فيه إلى اختطاف جنود إسرائيليين. قال القاضي إن النيابة العامة واجهت “مشاكلا في إثبات الذنب” في هذه التهم. قالت جرار إن السلطات منعتها من السفر إلى خارج الضفة الغربية لأكثر من 30 عاما دون أمر قضائي، باستثناء زيارة واحدة إلى الأردن لأسباب طبية في 2010. احتجز الجيش الإسرائيلي جرار مجددا في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ولا تزال في الاحتجاز حتى تاريخ نشر هذا التقرير.

في مارس/آذار 2019، اعتقل الجيش الإسرائيلي الفنان حافظ عمر (36 عاما)، ووجه له عدة تهم بموجب الأمر العسكري رقم 1651، منها “العضوية والنشاط في جمعية غير مشروعة”، وبموجب نظام الدفاع لسنة 1945، بسبب مزاعم انتمائه إلى مجموعة يسميها الجيش “الحراك الشبابي”، التي يُزعم أنها تنشط تحت “رعاية منظمة حزب الله”، الجماعة الشيعية اللبنانية. تتألف لائحة الاتهام، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، بالكامل من أنشطة سلمية، مثل الاجتماع مع نشطاء آخرين والمشاركة في احتجاجات، العديد منها ضدّ السلطة الفلسطينية. تساءل بعض المحللين عما إذا كان الحراك الشبابي موجودا أصلا كتنظيم. التهمة الوحيدة التي ليس لها طابع سلمي كانت مشاركته المزعومة في “مواجهات” غير محددة قبل أربع سنوات لما “ألقى الحجارة على قوات الأمن [الإسرائيلية]”، بحسب لائحة الاتهام.

حظر الجيش مجموعة واسعة من جماعات المجتمع المدني الأخرى. بين سبتمبر/أيلول 2015 ومايو/أيار 2016، اعتقلت القوات الإسرائيلية خمسة فلسطينيين على خلفية عملهم مع منظمة “قطر الخيرية”، التي تنشط في أكثر من 50 بلدا ولها شراكات مع الأمم المتحدة، و”أطباء بلا حدود”، و”الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، وغيرها. قالت الأمم المتحدة إنها تتشارك المبادئ الخيرية “الإنسانية” و”غير السياسية على الإطلاق” مع قطر الخيرية، لكن إسرائيل أضافت قطر الخيرية إلى قائمة المنظمات المحظورة في 2008 بسبب دعمها المزعوم لـ “حماس”، وهو ادعاء يُستخدم بكثرة ضدّ المنظمات الخيرية العاملة في غزة. رغم هذا التصنيف، سمحت إسرائيل لقطر الخيرية بتحويل تمويلات إلى غزة في مايو/أيار 2019. حُكم على نجوان عودة، المديرة الإدارية للمنظمة، بالسجن 18 شهرا بسبب انتمائها إلى “جمعية غير مشروعة”، وتحديدا قطر الخيرية، بموجب نظام الدفاع لسنة 1945، ومنعتها لمدة سنة من “ارتكاب نفس المخالفة التي أدينت بها”، وهو منع فعلي لعودتها إلى عملها، كجزء من اتفاق تفاوضي مع السلطات.

لا يحدد القانون العسكري أي إجراءات رسمية للاعتراض على اعتبار أي منظمة غير مشروعة أو على قرارات غلق الشركات. رغم أن الفلسطينيين يستطيعون استئناف القرارات الإدارية المشابهة لدى “المحكمة العليا”، إلا أن هذه الأخيرة أثبتت على امتداد السنوات انحيازا كبيرا إلى مواقف الدولة والجيش.

يستشهد الجيش الإسرائيلي بانتظام أيضا بالتعريف الفضفاض للتحريض في قوانينه العسكرية، الذي يشمل أي “مدح أو مناصرة أو دعم لمنظمة معادية” وكل من “يحاول، إما شفهيا أو بصورة أخرى، التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بصورة من الممكن أن تمسّ بسلامة الجمهور أو بالنظام العام”، لتجريم كل تعبير معارض للاحتلال. قالت السلطات الإسرائيلية إنها تراقب عن كثب التعبير على الانترنت، وخاصة على حسابات التواصل الاجتماعي الفلسطينية، واستخدمت خوارزميات استباقية لتحديد من ستستهدفه. لم تكشف السلطات الكثير من المعلومات عن أساليبها في مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها استخدمت منشورات على هذه المواقع لتوجيه تهم تتعلق بالتحريض.

مثلا، في بداية 2018، زعمت النيابة العسكرية في لائحة اتهام موجهة إلى الناشطة ناريمان التميمي أنها “حاولت التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بشكل يمسّ سلامة الجمهور أو النظام العام”، ودعت إلى العنف”، وذلك على خلفية نقل مباشر بثته على صفحتها على فيسبوك لمواجهة بين ابنتها عهد التميمي (16 عاما آنذاك) وجنودا إسرائيليين في باحة منزلها في ديسمبر/كانون الأول 2017. تضمنت اللائحة سلسلة من التهم بموجب الأمر العسكري رقم 1651 بالاعتماد بشكل أساسي على البث المباشر، بما في ذلك “التحريض”، مشيرة إلى أن الفيديو “شاهده آلاف المستخدمين، وشاركه العشرات منهم، وتلقى عشرات الردود وعشرات الإعجابات”. راجعت هيومن رايتس ووتش الفيديو وملف القضية، ولم تجد في كل منهما أي دعوة من ناريمان إلى العنف. قالت ناريمان لـ هيومن رايتس ووتش إنها اعترفت بذنب التحريض وبتهمتين أخريين – “المساعدة في الاعتداء على جندي” و”التدخل في عمل جندي” – لتجنب عقوبة أطول في حال أدانها النظام القضائي العسكري، الذي لا يضمن للفلسطينيين محاكمات عادلة. بالاستناد إلى الاتفاق التفاوضي لتخفيف العقوبة، أمضت ناريمان ثمانية أشهر في السجن.

هذه القيود شلّت بشكل خاص الصحفيين الفلسطينيين، الذين يتهمهم الجيش الإسرائيلي بانتظام بالتحريض أو الانتماء إلى حماس. في أواخر يوليو/تموز 2018، اعتقل الجيش الإسرائيلي أربعة صحفيين في “قناة القدس”، وهي محطة تلفزيونية مرخصة في لندن اتهمها وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بأنها “الذراع الدعائية[بروباغندا] لحماس”. كانت السلطات قد منعت القناة من العمل في إسرائيل في وقت سابق من ذلك الشهر، دون أن تعلن عن أي حظر بشأن عملياتها في الضفة الغربية. وافقت المحاكم العسكرية على احتجاز الصحفي علاء الريماوي بينما كانت النيابة العامة تحقق معه في مزاعم انتمائه إلى “جمعية غير مشروعة”، وتحديدا قناة القدس، بموجب نظام الدفاع لسنة 1945. قال الريماوي إن المحققين ركزوا على استخدامه لمصطلح “الشهداء” للإشارة إلى الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، وهي عبارة رائجة بين الفلسطينيين، بما في ذلك في مقطع اخباري استخدم فيه العبارة للإشارة إلى شخص قُتل بعد أن أطلق النار على مستوطن. أمرت محكمة عسكرية بالإفراج عنه بكفالة بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاز، على خلفية أنه قد لا يكون على علم بالحظر المفروض على القناة لأن الجيش لم ينشر إشعار الحظر كما يلزم. غير أن المحكمة اشترطت الإفراج عنه بمنعه لمدة شهرين ونصف من “نشر أي محتوى على شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات الاتصال الأخرى”، مع منعه من مغادرة مدينته رام الله دون موافقة المحكمة، واستمر هذا المنع بحسب الريماوي سنة. ذكر “المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الاعلامية” (مدى) في 2017 و2018 أن الجيش الاسرائيلي اعتقل 74 صحفيا وأغلق 19 مؤسسة اعلامية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

تؤثر الاعتقالات بسبب ممارسة الحقوق الأساسية سلميا في المجتمع الفلسطيني، وغالبا ما تتسبّب في ردع الآخرين عن التعبير والانخراط في أي نشاط سياسي بشكل عام. قالت صحفية من رام الله، طلبت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، لـ هيومن رايتس ووتش إنها ليس لديها “أدنى فكرة” عمّا يعتبر تحريضا، ما جعلها “خائفة وحذرة جدا مما تكتبه على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي”. قالت إن الرقابة الذاتية أمر شائع بين الصحفيين والنشطاء، الذين كثيرا ما ينصحون بعضهم البعض بما يتعين عليهم نشره أو عدم نشره.[2] قال حمزة زبيدات، الذي يعمل في منظمة غير حكومية تنموية، إنه كان ينشر كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه عمد مؤخرا إلى “عزل نفسه واختار  طواعية عدم المشاركة في أي مسألة سياسية عامة أو إبداء أي آراء فيها” خشية الاعتقال.[3] قال رجل (25 عاما) من بيت لحم، طلب أيضا عدم الكشف عن اسمه، إنه كان يشارك كثيرا في المظاهرات والأنشطة السياسية الأخرى، لكنه “قرر مؤخرا تقليص مشاركاته بعد تقييم مخاطر” الاعتقال وغيرها من الاجراءات العقابية التي يعتمدها الجيش الإسرائيلي. قال إنه كلما قرّر المشاركة، صار يحاول أن يكون “كتوما جدا” و”البقاء خلف الكواليس”، واصفا هذا “الحذر الشديد” بالشائع بين الشباب أمثاله.[4]

نفذ الجيش بعض هذه الاعتقالات في منطقة عرّفتها “اتفاقات أوسلو” لسنة 1995 بـ “المنطقة أ” في الضفة الغربية، رغم أن هذه الاتفاقات منحت للسلطة الفلسطينية سيطرة مدنية وأمنية كاملة على هذه المنطقة. تقيّد السلطة الفلسطينية هي الأخرى حقوق الفلسطينيين في المنطقة أ عبر الاعتقالات التعسفية لمنتقديها ومعارضيها، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي صفوف الصحفيين المستقلين، في داخل الجامعات، وأثناء المظاهرات.

حتى وإن كان قانون الاحتلال يسمح للجيش بتبرير هذه الاجراءات الواسعة في يوليو/تموز 1967، لا يقدّم هذا القانون أساسا قانونيا للاستمرار في هذه الأفعال بعد أكثر من 50 عاما. يسمح قانون الاحتلال لسلطات الاحتلال بتقييد بعض الحقوق، لكنه يفرض عليها إعادة الحياة العامة للسكان المحتلين. هذا الالتزام يصير أكبر عندما يكون الاحتلال مطولا، حين يحظى المحتل بمزيد من الوقت والفرص لاعتماد استجابة مصممة بدقة لتخفيف القيود على الحقوق عند التعامل مع التهديدات الأمنية. كما تزداد احتياجات السكان المحتلين مع الوقت، إذ أن تعليق جميع الحقوق تقريبا في مجال حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات يعرقل الحياة العامة بشكل مؤقت، ولكن عندما يكون التعليق طويل الأمد وبلا نهاية، يكون تأثيره يكون أفدح. الحرمان من حرية التعبير والنقاش، ومن الوصول إلى مختلف أنواع المعلومات، وفرص المطالبة بالتغيير سلميا ينتج عنه ركود اجتماعي وفكري.

رغم أن إسرائيل عليها التزام كبير بتسهيل الحياة المدنية العادية واحترام الحقوق الأساسية، فإن طول مدة الاحتلال والبيروقراطية المعقدة التي طورتها لحكم الفلسطينيين جعلاها تستمر في استخدام نفس الاجراءات القمعية التي كانت تستخدمها في بداية الاحتلال.

كلما طال أمد الاحتلال، كلما ينبغي أن يكون الحكم العسكري أشبه بنظام حكم إعتيادي الذي يحترم معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان المنطبق في جميع الأوقات. يوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان حماية قوية للحقوق المدنية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، ويفرض “عتبة عالية” على القيود، التي ينصّ على أن تبقى “استثناءً”. وثقت هيومن رايتس ووتش حالات لم تحصل فيها دعوات للعنف، وحالات ساوى فيها الجيش بين معارضة الاحتلال والتحريض على العنف دون أن يثبت أن النشاط التعبيري كان يرمي إلى التسبب بالعنف، أو فُهم من آخرين أنه يعني ذلك.

على الجيش الإسرائيلي إلغاء الأمرين العسكريين رقم 101 ورقم 1651 والكف عن اتهام المدعى عليهم بموجب نظام الدفاع لسنة 1945. بعد 52 عاما من الاحتلال، ينبغي أن تضمن إسرائيل النظام العام والسلامة العامة بطريقة تحترم وتحمي وتنفذ الحقوق الأساسية للفلسطينيين. إسرائيل توفّر حماية أقوى للحقوق بموجب قانونها المدني، المنطبق في القدس الشرقية المحتلة وإسرائيل، وهو ما يؤكد إمكانية اعتماد اجراءات أقل تقييدا.

على الدول والمنظّمات الدولية تسليط الضوء على أهمية احترام الحقوق المدنية للفلسطينيين في الضفة الغربية، فهي تمثل جزءا لا يتجزأ من الإطار القانوني المنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة. يتعيّن عليها أيضا التفكير في إدراج دعوات لحث إسرائيل على منح الفلسطينيين الحقوق المدنية نفسها التي تمنحها لمواطنيها، في المنشورات والتقارير والمواقف السياسية، وفي تقييم سلوك إسرائيل على هذا الأساس. ينبغي استخدام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي للتدقيق في سياسات وممارسات إسرائيل تجاه فلسطينيي الضفة الغربية، بما يشمل القدس الشرقية، وقطاع غزة.

على مدى أكثر من ثلثي الفترة منذ إنشاء دولة إسرائيل، حرمت السلطات الإسرائيلية قرابة 2.5 مليون فلسطيني خاضعين لحكمها في الضفة الغريبة من حقوقهم الأساسية – نفس الحقوق التي يتمتع بها أكثر من 400 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في مستوطنات غير شرعية على نفس الأراضي. يتحدث المسؤولون الإسرائيليون علنا عن نيتهم حُكم الفلسطينيين بشكل دائم في الضفة الغربية. مهما كانت الترتيبات السياسية، ليس هناك أي مبرّر للاستمرار في تطبيق هذه القيود والنظام التمييزي المزدوج في الضفة الغربية اليوم.

المنهجية

العودة إلى الأعلى

يُركّز هذا التقرير على أوامر عسكرية إسرائيلية محدّدة تفرض قيودا غير قانونية على حقوق فلسطينيي الضفة الغربية في حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير والصحافة. لا يغطي التقرير الوضع داخل إسرائيل وفي القدس الشرقية، حيث تطبق إسرائيل قانونها الداخلي منذ أن ضمّتها بشكل أحادي في 1967، ولا الجولان، حيث تطبق قانونها الداخلي أيضا منذ 1981، ولا غزة، التي أنهت إسرائيل حكمها العسكري المباشر لها في 2005، والذي كان ساريا منذ 1967. كما لا يغطي التقرير حرمان إسرائيل لفلسطينيي الضفة الغربية من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

يركّز التقرير على القيود والعقوبات التي فُرضت بين 2015 و2019، رغم أنه يشير أحيانا إلى أحداث قديمة. يقيّم التقرير أساسا الاعتقالات والتهم الموجهة للمعتقلين، دون التعمق كثيرا في الإجراءات القانونية ضدّ المحتجزين، أو معاملتهم في الحجز، أو استخدام القوة ضدّ المتظاهرين، وهي مواضيع وثقتها هيومن رايتس ووتش في تقارير أخرى. لا يحقّق التقرير أيضا في الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو سلطات حماس في غزة، والتي غطتها هيومن رايتس ووتش في تقارير أخرى أيضا.[5]

يستند هذا التقرير أساسا إلى مراجعة تفصيلية لعشرات الأوامر العسكرية ولوائح الاتهام وقرارات المحاكم الإسرائيلية. أجرت هيومن رايتس ووتش أيضا 29 مقابلة – 11 منها مع فلسطينيين احتجزوا بموجب أوامر عسكرية إسرائيلية، واثنتين مع أقارب لهم، وثلاثة مع نشطاء وصحفيين قالوا إن خطر المحاكمات والعقوبات التي يفرضها الجيش الإسرائيلي جعلتهم يقلصون نشاطهم، وواحدة مع محلل سياسي فلسطيني، و12 مع محامين إسرائيليين وفلسطينيين يمثلون فلسطينيين محتجزين في نظام القضاء العسكري الإسرائيلي. أُجريت المقابلات في أماكن مختلفة في الضفة الغربية المحتلة بين أغسطس/آب 2017 وأكتوبر/تشرين الأول 2019.

أجرينا أغلب المقابلات بشكل فردي، بالعربية أو الإنغليزية، وجميعها تمت بموافقة تامة من الذين قابلناهم، بعد أن أعلمنا كلا منهم بكيفية استخدام هيومن رايتس ووتش للمعلومات التي سيقدمونها.

تمكنت هيومن رايتس ووتش في بعض الحالات أيضا من مراجعة أدلة فوتوغرافية وفيديوهات، وفي حالة واحدة من حضور جلسة محاكمة عسكرية.

راسلت هيومن رايتس ووتش “وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق” (وحدة تنسيق أعمال الحكومة)، الهيئة التابعة للجيش الإسرائيلي المسؤولة عن إدارة الضفة الغربية المحتلة، كما راسلت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي (شين بيت) يوم 1 أغسطس/آب 2019، والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوم 29 أغسطس/آب، والتمست وجهات نظرهم جميعا. كل هذه الهيئات أكّدت استلام الرسائل.

ردّ مكتب رئيس الوزراء نيابة عن شين بيت، وقال في رسالة قصيرة بتاريخ 8 أغسطس/آب 2019، إنه “يعمل بموجب السلطة والواجبات المحددة في القانون”، دون تقديم مزيد من المعلومات، مشيرا إلى أن “الإفصاح قد يكشف عن أساليب العمل”.[6] كما أرسلت الشرطة رسالة يوم 28 أغسطس/آب تضمنت بعض المعلومات الإضافية، رغم أنها لم تُجِب على أغلب الأسئلة المطروحة، زاعمة أنها غير مُلزَمة قانونا بتقديم معلومات بالنظر إلى الطريقة التي اعتُمدت لالتماسها، دون تحديد الطريقة البديلة.[7] في 1 سبتمبر/أيلول، قال “قسم توجّهات الجمهور” في وحدة تنسيق أعمال الحكومة إنه لا يستطيع قبول طلبنا في الحصول على معلومات دون استخدام الاستمارة المُخصصة للمنظمات المسجلة رسميا في إسرائيل. في 18 نوفمبر/تشرين الثاني، أرسل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ردّا موضوعيا على رسالة هيومن رايتس ووتش. أشار الرد إلى أن مزيدا من المعلومات ستُرسَل ولكن حتى تاريخ النشر، لم تستلم هيومن رايتس ووتش أيّ معلومات إضافية.

راسلت هيومن رايتس ووتش فيسبوك أيضا لطلب معلومات حول طلبات السلطات الإسرائيلية لتنظيم المحتوى على منصته، وتلقّت إجابات موضوعية. ضميّنا جميع هذه الإجابات إلى التقرير وأدرجناها بأكمله، مع الرسائل التي وجّهتها هيومن رايتس ووتش، في الملاحق. [8]

I. الخلفية

العودة إلى الأعلى

احتل الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية في 7 يونيو/حزيران 1967. في ذلك اليوم، أصدر الجيش إعلانا نصّ فيه على أن قائده في الضفة الغربية له “جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية” على الأراضي المحتلة، وأن “القوانين التي كانت سارية إلى تاريخ 7 يونيو/حزيران 1967 تبقى سارية ما لم تتعارض مع الأوامر العسكرية اللاحقة”.[9] أصدر الجيش مئات الأوامر العسكرية الأخرى الخاصة بالضفة الغربية على امتداد الـ 52 عاما التالية.

استمرّت هذه الأوامر في حُكم العديد من مناحي الحياة اليومية لفلسطينيي الضفة الغربية، بما في ذلك تنظيم حرية التنقل، والوصول إلى الماء والأرض والموارد الطبيعية.[10] لكنها لا تنطبق على القدس الشرقية، حيث تُطبّق إسرائيل قانونها المحلّي وليس القانون العسكري منذ أن ضمّتها في 1967 في خطوة أحادية الجانب لم تعترف بها أي دولة أخرى، ولا تغيّر شيئا في وضع القدس الشرقية كأراض محتلة بموجب القانون الدولي.[11]

منذ 1967، استخدم الجيش الإسرائيلي الأوامر العسكرية، إلى جانب القوانين التي كانت سارية في الضفة الغربية قبل بداية الاحتلال، لسجن مئات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية لفترات زمنية مختلفة. بحسب “مصلحة السجون الإسرائيلية”، كانت السلطات حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019 تحتجز 4,391 فلسطينيا من الضفة الغربية بسبب مخالفات “أمنية”، منهم 458 محتجزون إداريا استنادا إلى أدلة سرّية دون تهم أو محاكمات.[12] تُحاكم السلطات الإسرائيلية أغلب الفلسطينيين المحتجزين في الضفة الغربية في محاكم عسكرية يواجهون فيها محاكمات جائرة ونسبة إدانة تقارب 100⁒.[13]

قيّدت السلطة الفلسطينية أيضا بشدّة حقوق الفلسطينيين في حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير في مناطق الضفة الغربية التي تمارس فيها سلطة محدودة. تنفذ السلطة الفلسطينية اعتقالات تعسفية روتينية للمنتقدين والمعارضين، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين المستهدفين الصحفيون المستقلون، والطلاب داخل الجامعات، والمشاركون في المظاهرات.[14] قالت السلطة الفلسطينية إن قواتها الأمنية احتجزت 1,609 أشخاصا بين يناير/كانون الثاني 2018 ومارس/آذار 2019 بتهمة “الإساءة إلى “مقامات عليا” و”إثارة نعرات طائفية”، وهي تهم تجرّم المعارضة السلمية فعليا، و752 آخرين بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.[15] تعذب قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية المعتقلين بشكل منهجي. ترتكب سلطات حماس بانتظام انتهاكات مماثلة في غزة.[16]

في غزّة، فككت إسرائيل عام 2005 الحكومة العسكرية التي كانت هناك منذ 1967 وتوقفت عن تطبيق الأوامر العسكرية عندما سحبت سكانها المستوطنين. غير أن إسرائيل مستمرة في فرض سيطرة فعلية على غزة، وتقيّد حقوق سكانها بوسائل تشمل فرض قيود مشددة على تنقل الأشخاص والبضائع من وإلى المناطق الساحلية.[17]

II.المعايير القانونية: الحقوق المدنية في ظلّ الاحتلال المطوّل

العودة إلى الأعلى

بصفتها قوة احتلال، تقع على إسرائيل التزامات قانونية تجاه السكان الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.[18] يوجد قانون الاحتلال أساسا في “اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949″،[19] و”اتفاقيات لاهاي لعام 1907″،[20] والقانون الإنساني الدولي العرفي.[21]

ينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي، على تعامل إسرائيل مع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب القانون الإنساني الدولي الذي ينظّم الاحتلال. رغم أن اسرائيل تؤكد أن التزاماتها الحقوقية لا تشمل الأراضي المحتلة، إلا أن لجنة حقوق الإنسان الأممية، الهيئة المكلفة بتفسير العهد الدولي، خلُصت مرارا إلى أن الدول ملزمة باحترام المعاهدات الحقوقية التي صادقت عليها خارج حدودها، وتحديدا إلى أن”بنود العهد تنطبق لصالح سكان الأراضي المحتلة”.[22] كما أيدت محكمة العدل الدولية هذا الرأي في رأيها الاستشاري المتعلق بجدار الفصل الإسرائيلي، وقالت إن العهد الدولي “ينطبق على الأعمال التي تقوم بها دولة ما عند ممارسة اختصاصها خارج ترابها”.[23]

صادقت دولة فلسطين على العديد من معاهدات حقوق الإنسان الأممية والإقليمية منذ 2014.

تفرض اتفاقية جنيف الرابعة على سلطة الاحتلال توفير الشرح الكافي لكل قاعدة يُمكن أن تقيّد أنشطة السكان المحميين على المدى المنظور، لا سيما إذا كان الانتهاك ينطوي على عواقب جنائية.[24]

تحدد المادة 43 من اتفاقيات لاهاي لسنة 1907، التي تُقرّ كل من “المحكمة العسكرية الدولية بنورنبيرغ” ومحكمة العدل الدولية بأن لها قوة القانون العرفي الدولي المُلزم لجميع الدول،[25] سلطات ومسؤوليات قوة الاحتلال:

إذا انتقلت سلطة القوة الشرعية بصورة فعلية إلى يد قوة الاحتلال، يتعين على هذه الأخيرة أن تتخذ جميع التدابير التي باستطاعتها لكي تعيد النظام العام والأمن وتضمنها قدر الإمكان، مع احترام القوانين السارية في البلاد، إلا في حالات الضرورة القصوى التي تحول دون ذلك.[26]

يسمح هذا البند لقوة الاحتلال باتخاذ تدابير تقييدية لها ضرورة عسكرية لضمان سلامتها، لكنه يفرض عليها أيضا إعادة وضمان الحياة العامة للسكان المحتلين. التدابير الضرورية عسكريا هي تلك التي من شأنها أن “تحقق هدفا مشروعا وغير محظور في القانون الإنساني الدولي”.[27]

فسّر الباحثون والمحاكم على حدّ سواء “النظام العام والأمن” على أنه يتجاوز مجرد ضمان الأمن ليشمل تسهيل حياة المدنيين، بما في ذلك التعليم، والاقتصاد، والرعاية الصحية وغير ذلك من مناحي الحياة اليومية.[28] النسخة الفرنسية الأصلية (l’ordre et la vie publics) تحتوي على عبارة “الحياة العامة”، ولذلك فهي تذكر أن تسهيل الحياة المدنية يشكّل جزءا لا يتجزأ من واجبات قوة الاحتلال. اعتمدت المحكمة العليا الإسرائيلية هذا التفسير في “قضية جمعية الإسكان” الشهيرة سنة 1983:

[المادة 43 من معاهدات لاهاي] لا تقتصر على جانب معين من الأمن والنظام العام، بل تمتد إلى كل جوانب الأمن والنظام العام. ولذلك (…) فهي تنطبق أيضا على مجموعة من المسائل “المدنية”، مثل الاقتصاد، والمجتمع، والتعليم، والرعاية الاجتماعية، والنظافة، والصحة، والنقل، وغيرها من الأمور التي ترتبط بها حياة الإنسان في المجتمع الحديث.[29]

من خلال دعوتها قوّة الاحتلال إلى “تحقيق الأمن والنظام العام” قدر الإمكان،[30] تفرض المادة 43 على المحتل استخدام جميع الوسائل العملية المتاحة لتقليص أثر أعماله على السكان المحليين. والنتيجة الطبيعية المنطقية لهذه المادة هي أن الوسائل المتاحة للمحتل تزيد مع فترة الاحتلال. فأي جيش أجنبي يحتل قرية لمدة شهر أو سنة قد يضع تدابير أمنية محدودة بسبب نقص الوقت والموارد والإلمام بالموقع والسكان الخاضعين للاحتلال. لكن إذا احتل الجيش الأجنبي أرضا لعشرات السنوات، فإنه يحظى بمزيد من الوقت والفرص لتحسين استجاباته للتهديدات الأمنية لقواته بطريقة تقلّص القيود المفروضة على الحقوق والحريات. كلما طال الاحتلال، كلما زادت القدرة وزاد الالتزام بالوصول إلى تدابير أمنية تقلّص الأثر على السكان المحليين.[31]

فسّر خبراء قانونيون المادة 43 على أنها تقيّد اتخاذ المحتل لإجراءات قد تضرّ بالسكان المحليين بشكل غير متناسب مقارنة بالميزة العسكرية المرجوة منها.[32]

احتياجات السكان المحليين أيضا تبدو مختلفة في فترات الاحتلال القصيرة، حيث تكون الأوضاع المشابهة للقتال أكثر تواترا مقارنة بالاحتلال طويل الأمد، الذي تصبح فيه التفاعلات روتينية أكثر، والحياة طبيعية إلى حد ما.[33] أوضحت المحكمة الإسرائيلية العليا في قضية جمعية الإسكان أنه يجب تقييم محتوى “الأمن والنظام العام” استنادا إلى احتياجات المجتمع في وقت الفحص.[34]  كما اعتبرت أن “الاحتياجات الأمنية والعسكرية تطغى على الاحتلال العسكري قصير الأمد. في المقابل، تزداد احتياجات المجتمع المحلي تحت الاحتلال العسكري طويل الأمد”.[35] حفظ صحة المجتمع على المديين المتوسط والطويل تستوجب حماية أقوى للحقوق حتى يحصل نمو عادي في المجتمع.

الحرمان من الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات يمنع السكان الخاضعين للحماية من الحصول على المعلومات، ومناقشة الأفكار، والمطالبة بالتغيير سلميا.[36] إذا كان تعليق هذه الحقوق لمدة أسبوع أو شهر يعيق الحياة العامة، فإن تعليقها لعقود من الزمن يشوّهها بشكل أساسي.

قالت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” في تعليقها على اتفاقيات جنيف إن “الواجبات المنوطة بقوة الاحتلال متناسبة مع فترة الاحتلال”، ملاحظة أنه “في حال استمرّ الاحتلال، فإن المزيد من المسؤوليات تقع على عاتقه”.[37]  قالت الحكومة الإسرائيلية بنفسها في المحكمة إن واجباتها تصير أكبر مع تزايد احتياجات السكان الفلسطينيين خلال الاحتلال. في قضية أمام محكمة العدل الدولية سنة 2010، برّرت الدولة استمرار نشاطها في محاجر الضفة الغربية بأنها تساهم في النمو الاقتصادي، ولذلك فهي ساعدت الحكومة على تنفيذ واجباتها الإضافية المستحقة للسكان في إطار احتلال طويل الأمد.[38]

يرى خبراء قانونيون بارزون يدرسون الإطار القانوني المنطبق على الاحتلال العسكري أن قوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان ينطبقان في جميع الأوقات، وأن السياق، وخاصة طول مدة الاحتلال، هو الذي يحدد الإطار الذي له أسبقية في وضع معين.

صُمّم قانون الاحتلال، كإطار طوارئ بحكم تعريفه، لتنظيم وضع استثنائي ومؤقت، تعمد فيه قوة عسكرية أجنبية إلى نزع السيادة الشرعية والحكم بالقوة.[39]

كلما كان الاحتلال أطول، كلما كانت القواعد العسكرية أشبه بنظام حكم إعتيادي، لذلك يجب أن تكون معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان المنطبقة في كل الأوقات هي السائدة. حتى عندما تكون هناك فترات من القتال العنيف خلال الاحتلال، فإن الوضع يجب أن يعود إلى طبيعته بعد أن تهدأ الأعمال القتالية ويحل محلها وضع تسوده أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان. رغم أن حماية الحقوق الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، قدّ تثير أحيانا مخاوف أمنية مشروعة،[40] إلا أن القيود الواسعة يجب ألا تستمرّ إلى أجل غير مسمّى. قال ثلاثة خبراء قانون إسرائيليين: “كلما طال الاحتلال، كلما زادت الحقوق التي يجب منحها للسكان المحليين”.[41]

غير أن الحماية الممنوحة للسكان المحتلين بموجب قوانين الاحتلال، مثل حظر بناء المستوطنات واستخراج الموارد الطبيعية لصالح المحتل، تبقى قائمة طالما استمرّ الاحتلال، بصرف النظر عن مدته. وفي نفس الوقت، ينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان، ليكمّل هذه الحماية في سياق الاحتلال المطوّل الذي يشكل خطرا أكبر على صحة المجتمع على المدى البعيد.[42]

مثلا، ينطوي العهد الدولي على تفسير لطبيعة الحياة المدنية التي يتعيّن على المحتل توفيرها للسكان المحتلين بموجب المادة 43 من اتفاقيات لاهاي بشأن الاحتلال المطول.

صادقت اسرائيل على العهد الدولي سنة 1991، رغم أنها أصدرت اعلانا رسميا طالبت فيه باستثناء بند متعلق بالاحتجاز (المادة 9) إلى حدّ حظرها الإجراءات المتخذة بحكم حالة الطوارئ التي أعلنتها في مايو/أيار 1948، والتي مازالت سارية إلى اليوم. صادقت دولة فلسطين على العهد الدولي كاملا في 2014.

تسلّط المادة 15 من العهد الدولي الضوء على الحاجة إلى الدقة في تحديد الجرائم الجنائية، وتحظر إدانة شخص بناء على عمل غير مُجرَّم.[43]

تنصّ المادة 19 من العهد الدولي على أنّ “لكل إنسان حق في حرية التعبير… في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها”. كما تشير المادة إلى أن السلطات تستطيع إخضاع هذا الحق لبعض القيود، لكن “شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين وسمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة”. أصدرت لجنة حقوق الإنسان الأممية تعليقا ملزما في 2011 لاحظت فيه أن حرية التعبير تشمل الخطاب السياسي، ومناصرة الحقوق والصحافة المنشورة عبر مختلف الوسائل، بما في ذلك أساليب التعبير الالكترونية والتي تعتمد على الانترنت.[44]  يشمل هذا الحق أيضا حرية نقل المعلومات وتلقيها.[45]

شددت اللجنة أيضا، بموجب الالتزام بالشرعية، على أن تُصاغ القيود “بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقا لها” وأن تحتوي على “توجيهات كافية” بشأن “أنواع التعبير التي تخضع للتقييد وتلك التي لا تخضع لهذا التقييد”. لاحظت اللجنة أيضا، أنه إلى جانب شَرطَيْ الشرعية والضرورة الذين تحددهما المادة نفسها، يجب ألا تكون القيود “مفرطة”، وأنه عندما “تحتج دولة طرف بأساس مشروع لفرض قيود على حرية التعبير، عليها أن تثبت بطريقة محددة وخاصة بكل حالة على حده الطبيعة المحددة للتهديد… لا سيما بإقامة صلة مباشرة وواضحة بين التعبير والتهديد”. كما ناقشت اللجنة تحديدا المخاوف المتعلقة بالإرهاب، ملاحظة أنه “ينبغي وضع تعاريف واضحة لجرائم مثل ‘التشجيع على الارهاب’ و’النشاط المتطرف’ فضلا عن جرائم ‘الإشادة بالإرهاب’ أو ‘تمجيده’ أو ‘تبريره’ لضمان ألا تؤدي إلى تداخل غير ضروري أو غير متناسب مع حرية التعبير”.[46]

تنصّ المادة 17 من العهد الدولي على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته”.[47] صرّحت “مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان” (مفوضية حقوق الإنسان) بأن هذه المتطلبات تعني أنّ تدخل الحكومة في الخصوصية يجب أن يكون قانونيا وضروريا ومتناسبا.[48] لاحظت أيضا أن الحق في الخصوصية “يتأثر… عندما تقوم حكومة ما بمراقبة مكان عام… فتراقب الأفراد المتواجدين في ذلك المكان” و”عندما يتم جمع وتحليل المعلومات المتاحة للجمهور بشأن فرد ما في وسائل التواصل الاجتماعي، فذلك يطال أيضا الحق في الخصوصية، لأن نشر المعلومات للعموم لا يعني أن مضمونها غير مشمول بالحماية”.[49] هذا يعني أن مراقبة الدولة لمعلومات نشرها شخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي تدخّل في حقه في الخصوصية، ولذلك يجب أن يكون كل تدخّل من هذا النوع قانوني وضروري ومتناسب. عند تطرقها إلى مراقبة الدولة للاتصالات وتصفح الانترنت، قالت مفوضية حقوق الإنسان إن “المراقبة الجماعية العشوائية” لا تستجيب لشرط الضرورة والتناسب، ولذلك فهي تنتهك الحقوق، حتى وإن قالت الدول إنها “ضرورية لحماية الأمن القومي”.[50] اقتبست مفوضية حقوق الإنسان عن “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” قولها: “فقد يؤدي نظام المراقبة السرية المنشأ لحماية الأمن القومي إلى تقويض أو حتى تدمير الديمقراطية تحت ستار حمايتها”.[51] وصلت مفوضية حقوق الإنسان إلى هذه الخلاصة لأنه عندما تحصل مراقبة على نطاق واسع، “فإنه لا يمكن [للدولة] اجراء تحليل فردي من حيث الضرورة والتناسب”.[52] المراقبة الجماعية العشوائية للخطاب لا تنطوي بحكم تعريفها على التحليل الفردي من حيث الضرورة والتناسب، وبالتالي من المحتمل جدا أن تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان.

حتى تكون مراقبة المعلومات وجمعها وتخزينها والبحث عنها بشكل قانوني ولأغراض تتعلق بالحق في الخصوصية، يجب أن تتم استنادا إلى قوانين واضحة ومحددة ومتاحة للجمهور تضع معايير لهذه الأنشطة وكذلك ضمانات وسبل انتصاف فعال في حال حصول انتهاكات.[53] ينبغي أيضا أن تكون هذه التدابير ضرورية ومتناسبة مع تحقيق هدف مشروع.

تنصّ المادة 20 من العهد الدولي على أنه “تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”. كما تحظر “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز”، وإسرائيل طرف فيها، التحريض. في يناير/كانون الثاني 2013، وضعت مفوضية حقوق الإنسان مجموعة من المبادئ التوجيهية، تُعرف بـ “خطة عمل الرباط”، حددت اختبارا من ثلاثة أجزاء – القانونية، والتناسب، والضرورة – بشأن تحقيق التوازن بين حرية التعبير والتحريض على الكراهية. كما لاحظت أن “فرض القيود على الكلام ينبغي أن يظلّ… هو الاستثناء” ووضعت “معايير عالية” لتحديد القيود على حرية التعبير، حيث فرضت تقييما للسياق، والمتكلّم، والنية، والمحتوى أو الشكل، ومدى الخطاب، والرجحان [احتمال حصول الأذى]، بما في ذلك احتمال حصول خطر وشيك. فيما يتعلق بالخطر الوشيك، أوضحت خطة الرباط أن تعارض التعبير مع القانون يستوجب وجود ” ثمة احتمال معقول بأن ينجح الخطاب في التحريض على عمل فعلي ضدّ المجموعة المستهدفة، مع الإقرار بأن تلك الصلة السببية ينبغي أن تكون بالأحرى مباشرة”.[54]

يكفل العهد الدولي أيضا الحق في “التجمع السلمي” (المادة 21)، و”تكوين الجمعيات مع آخرين” (المادة 22)، ويقصر القيود على الحالات التي ينص عليها القانون والتي تكون ضرورية “لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”. يمكن للدول تقييد حرية التجمع وتكوين الجمعيات، كما الحال مع حرية التعبير والخصوصية، فقط عندما تكون القيود (1) محددة بالقانون؛ (2) موضوعة لغرض مشروع؛ (3) ضرورية ومتناسبة. قالت مفوضية حقوق الإنسان إنه “لا يجوز تحميل أي شخص مسؤولية جنائية أو مدنية أو إدارية لمجرّد تنظيم احتجاج سلمي أو المشاركة فيه”.[55]

يُمكن للسلطات، في حكومة الاحتلال والحكومة الوطنية على حد سواء، أن تتخذ تدابير لتقييد الأفعال عندما يمكن تفسير ممارسة حرية التعبير والتجمع كتهديد للأمن والنظام العام.[56] لكن هذه الصلاحية لا يمكن أن تبرر محاكمة الصحفيين، والمدافعين الحقوقيين وغيرهم بسبب نشر معلومات متاحة للجمهور ومواقف ذات اهتمام مشروع في غياب تهديد أمني محدد ووشيك.[57] تستطيع الدول دائما الاستجابة لهذه التهديدات، لكن في ظل الاحتلال المطوّل وفي حال عدم وجود فترة أعمال عدائية، يجب على قوة الاحتلال أن تفعل ذلك وفقا للقانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

يحظر القانون الإنساني الدولي على المحتل نقل الأشخاص المشمولين بالحماية إلى خارج الأراضي المحتلة، وهو بند تنتهكه إسرائيل بانتظام كلما اعتقلت فلسطينيين من الضفة الغربية واحتجزتهم داخل إسرائيل.

ينصّ القانون الدولي لحقوق الإنسان على مجموعة من إجراءات الحماية الأخرى، ومنها ما يتعلّق بالأطفال. تفرض “اتفاقية حقوق الطفل” على السلطات ألا تعتقل أو تحتجز أي طفل إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة، وأن تتخذ تدابير لضمان عدم إجبار الأطفال على الاعتراف بالذنب.[58] تحرم إسرائيل الأطفال الفلسطينيين المعتقلين والمحتجزين في الضفة الغربية من أشكال الحماية القانونية الممنوحة للأطفال الإسرائيليين، بما في ذلك المستوطنين.

يحظر قانون حقوق الإنسان، لا سيما المادة 26 من العهد الدولي، التمييز على أساس العرق أو الدين أو الأصل القومي والاجتماعي، ويفرض حماية متساوية بموجب القانون. تنطبق الأوامر العسكرية التقييدية على فلسطينيي الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية، وليس على 400 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في نفس الأراضي، ويخضعون للقانون المدني الإسرائيلي، الذي يكفل الحق في حرية التعبير والتجمع.

وصفت المحكمة الإسرائيلية العليا لحرية التعبير على أنها “قلب وروح” الديمقراطية. [59] أكّدت المحكمة في رأي كتبه كبير القضاة السابق أهارون باراك أن حرية التعبير تحتل “مرتبة الشرف في قصر الحقوق الأساسية للإنسان”.[60] يفرض القانون الإسرائيلي قيودا على حرية التعبير، لكن بحسب باراك، فإن “صيغة الموازنة تسعى إلى تقليص هذه القيمة الأساسية إلى أدنى مستوى ممكن”، و”فقط لما يكون المساس بأمن الدولة والنظام العام شديدا وخطيرا، وفقط عندما يوجد شبه يقين بأن ممارسة حرية التعبير ستتسبب في هذا المساس”.[61] كما كتب باراك أن “حرية التعبير ليست فقط حرية التعبير عن الأشياء بهدوء وبلطف، بل هي أيضا حرية الصراخ الذي لا تستسيغه الأذنان”.[62]

رغم أن عناصر من نظام الدفاع مازالت موجودة في القانون الإسرائيلي إلى اليوم، إلا أن الكثير من الإسرائيليين انتقدوها. في 1951، قرّر “الكنيست” أن نظام الدفاع “يتعارض مع المبادئ الأساسية للديمقراطية”، وأوصى لجنة بصياغة مشروع قانون لإلغائه.[63] في قضية كول هعام لسنة 1953، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية محاولات الحكومة لفرض رقابة على نشر صحيفتين على أساس أنهما قد “تعرّضان السلامة العامة للخطر”، وقضت باشتراط وجود “شبه تيّقن” بأن الصحيفتين “تشكلان خطرا كبيرا” على المصالح الأمنية الحيوية لتبرير هذا الإجراء.[64]

  III.الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي تنتهك الحقوق المدنية للفلسطينيين

العودة إلى الأعلى

فيما يتعلق بالمظاهرات، يفرض القانون الإسرائيلي الحصول على ترخيص فقط إن كانت بمشاركة أكثر من 50 شخصا، وتجري في فضاء مفتوح، وفيها “خطب وبيانات سياسية”.[65] كما تستطيع الشرطة بدورها رفض الترخيص، لكن فقط إن استطاعت اثبات “شبه تيقّن” بوجود ضرر بالأمن العام، والنظام العام، وحقوق الآخرين.[66] كتب القاضي باراك في 2006 في قضية لدى المحكمة العليا: “المظاهرة ذات الطابع السياسي أو الاجتماعي هي مظهر من مظاهر الإرادة الفردية المستقلة، وحرية الاختيار والرفض المندرجة ضمن إطار الكرامة الإنسانية بصفتها حقا دستوريا”.[67] صدر قرار بعد سنة أكد على الحق في حرية التعبير والاحتجاج السلمي “الرامية إلى حماية ليس فقط الذين يحملون مواقف مقبولة وشعبية، وإنما أيضا… مواقف قد تتسبب بالغضب أو السخط”.[68] في 2017، سارت المحكمة خطوة أخرى إلى الأمام، وأكدت أن “طلب الترخيص لتنظيم احتجاجات هو ليس سوى أحد مخلّفات الانتداب [البريطاني]، [و] يبدو أن الوقت حان للنظر في إلغائه من القانون الإسرائيلي”.[69]

في 7 يونيو/حزيران 1967، سيطر الجيش الإسرائيلي على الضفة الغربية، وأعلن بموجب بلاغ أصدره ذلك اليوم بأن القوانين الموجودة تبقى سارية ما لم تُعدّل بأوامر عسكرية لاحقة، وشرع في تطبيق نظام الدفاع لسنة 1945، الذي وضعته سلطات الانتداب البريطاني لحفظ النظام وسحق المعارضة. رغم أن البريطانيين ألغوا نظام الدفاع قبل أيام من انتهاء الانتداب، وأن الأردن أصدر “قانون الدفاع” الخاص به قُبيل سيطرته على الضفة الغربية، إلا أن الجيش الإسرائيلي يعتبر أن القوانين لم تُلغى أبدا بشكل سليم، وهو تفسير أيدته المحكمة الإسرائيلية لاحقا، وأصدر في الأشهر التالية أمرين عسكريين (160 و224) لتأكيد انطباق نظام الدفاع.[70] كما استخدم الجيش الإسرائيلي نظام الدفاع كميزة مركزية لحكمه العسكري للفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل بين 1948 و1966، الذي مازالت بعض عناصره موجودة في القانون الإسرائيلي إلى اليوم.[71]

يسمح نظام الدفاع بهدم المنازل، وفرض الرقابة، وقمع الاحتجاجات، والغلق، وحظر التجول، والاحتجاز الإداري، والترحيل.[72] كما مكّن السلطات من حظر “أية جماعة من الناس… تنشط أو تشجع أو تحرض” على قلب السلطات أو حتى على “كره أو ازدراء… أو التحريض على عدم الولاء” للسلطات المحلية،  وأعلن أن مثل هذه الجماعات هي “جمعية غير مشروعة”.[73] تستطيع السلطات احتجاز ومحاكمة الشخص فقط بسبب الانتماء أو حضور الاجتماعات أو إن “وُجد في حيازته أو عهدته أو تحت رقابته أي كتاب أو حساب أو مجلة دورية أو منشور أو إعلان أو جريدة أو أي مستند آخر أو أية نقود أو شعار أو أموال” أو “عمل… بالكتابة أو الألفاظ أو الإشارات أو بأية أفعال أخرى أو ادعاء آخر، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سواء عن طريق الاستنتاج أو التلميح أو الاستدلال أو على أي وجه آخر” في جمعية غير مرخص لها”.[74] كما يسمح نظام الدفاع للجيش بحظر نشر أي مادة يرى أنها “تضرّ أو من شأنها أن تضرّ أو يحتمل أن تصبح مضرّة بالدفاع عن فلسطين أو السلامة العامة أو النظام العام”، دون شرح ذلك.[75]

في أغسطس/آب 1967، أصدر الجيش الإسرائيلي الأمر العسكري رقم 101 “بشأن منع أعمال تحريض ودعاية”، الذي فرض حظرا شاملا على التعبير السلمي. جرّم هذا الأمر، الذي عُدّل عدة مرات لاحقا، الكثير من أشكال التجمع السلمي، بما في ذلك كل تجمع لعشرة أشخاص أو أكثر حول أي موضوع “يُمكن تفسيره كسياسي” دون ترخيص عسكري، ومن يخرق ذلك قد يواجه السجن عشر سنوات مع غرامة كبيرة أو كلا العقوبتين معا.[76] بموجب هذا الأمر، “يُمنع حيازة، رفع، إظهار، أو تثبيت أعلام أو رموز دينية إلا بإذن من القائد العسكري” و “لا يُطبع ولا يُنشر في المنطقة أي خبر إعلان، صورة، منشور ومستند آخر يحوي مادة لها دلائل سياسية” دون ترخيص مسبق من القائد العسكري.[77]

كما ينصّ الأمر العسكري رقم 101 على أن “كل شخص ينشر أقوال مدح، تضامن أو دعم لتنظيم معادي بنشاطاته و أهدافه” و “كل من يقوم بفعل به تضامن مع تنظيم معادي”، بما يشمل “إسماع نشيد وطني أو شعار أو كل عمل علني مشابه يعبر بشكل واضح عن تضامن وتعاطف” معرّض إلى عقوبة جنائية.[78] يرخص الأمر أيضا للقائد العسكري بأن “يعطي تعليماته لكل صاحب مقهى، نادي، أو مكان آخر لتجمهر الجمهور” بأن يغلق محلّه “للفترة التي يحددها”، ويأذن للجنود بـ “استعمال مقدار من القوة اللازم لتنفيذ أي أمر”.[79] يسمح الأمر للقائد بتحويل صلاحياته لأي عنصر من قوات الأمن.[80]

في مايو/أيار 2010، أصدر الجيش الإسرائيلي الأمر العسكري رقم 1651، المعروف أيضا بـ”القانون الجنائي”، لتعويض 20 أمرا أساسيا صدروا بين 1967 و2005. كما يشير هذا الأمر إلى أوامر أخرى ويبني عليها، بما في ذلك الأمر العسكري رقم 101 ونظام الدفاع لسنة 1945.[81] يجرّم الأمر رقم 1651 “مناصرة أو دعم منظمة معادية”، بما في ذلك “من يحاول، إما شفهيا أو بصورة أخرى، التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بصورة من الممكن أن تمس بسلامة الجمهور أو بالنظام العام”، وهي جريمة عقوبتها السجن عشر سنوات.[82]

كما يحدد الأمر سلسلة من “المخالفات ضدّ سلطات المنطقة”.[83] وإضافة إلى مخالفات من قبيل “الاعتداء على موظف عمومي”، التي تُعاقب بالسجن عشر سنوات، و”تهديد جندي”، التي تعاقب بالسجن سبع سنوات، اشتمل الأمر على مخالفات غامضة، مثل “من يعيق جندي في تأدية وظيفته” أو “يهين جندي” أو “يمسّ بشرفه”.[84] كما يسمح الأمر بمعاقبة كل من “يتصرف بطريقة مهينة تجاه سلطة من سلطات جيش الدفاع الإسرائيلي في المنطقة أو تجاه شعار من شعاراتها”،[85] ويمكّن الجيش الإسرائيلي من إعلان “منطقة [عسكرية] مغلقة” واعتقال كل من يتواجد فيها.[86] بحسب الأمر، كل من ” يقوم بفعل أو بتقصير من شأنهم أن يمسوا، يضرّوا، يعيقوا، أو يعرضوا أمن المنطقة  للخطر أو أمن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي” أو يتواجد “بالقرب” من أملاك لجيش الدفاع الإسرائيلي ولدولة إسرائيل، يعاقب بالسجن المؤبد.[87] لا يعرّف الأمر ما يُعتبر اعتداء أو تهديدا أو تدخلا أو اضطرابا أو إهانة أو جريمة.

لا يوفّر نظام الدفاع لسنة 1945 والأمران العسكريان رقم 101 ورقم1651 وضوحا كافيا يسمح للفلسطينيين بمعرفة الأعمال التي قد تكون لها عواقب جنائية، وكيفية جعل سلوكهم ممتثلا للقانون، وهو انتهاك لمبدأ أساسي بموجب قانون الاحتلال والقانون الدولي لحقوق الإنسان. الصياغة الفضفاضة للأوامر العسكرية نشأت عنها تعريفات غامضة وفضفاضة للمخالفات الجنائية، وقيّدت كثيرا حقوق الفلسطينيين بشكل دائم وليس فقط عند الضرورة. المفاهيم من قبيل “التحريض و”إهانة جندي” وردت غامضة إلى درجة أن الأفراد لا يستطيعون التنبؤ بشكل معقول بما إذا كان عمل ما، أو الاحجام عن عمل ما، يرقى إلى جريمة.

هذه الأوامر اقتبست بعض العبارات من المادة 43 من اتفاقيات لاهاي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، مثل “النظام العام” و”السلامة”، لكن من دون أي من القيود التي تمنع التضييق على الحقوق في هذين الإطارين القانونيين. لم تُصمّم الأوامر العسكرية بدقة، وإنما جاءت لتمنح سلطة تقديرية مفرطة للسلطات، فصارت اليوم تتسبب في انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان.

بدلا من تفسير العبارات الفضفاضة بشكل ضيق، يستغل الجيش الإسرائيلي هذا الغموض، ويستخدم القانون الجنائي بشكل تعسفي وتمييزي، لتبرير احتجاز الصحفيين والنشطاء وغيرهم من الفلسطينيين الذين يمارسون حقوقهم الأساسية.

رغم أنه يُمكن تبرير القيود على حرية التعبير والخصوصية بموجب قانون الاحتلال الصادر في يوليو/تموز 1967، فإن هذه القيود لم تعد صالحة بعد أكثر من نصف قرن طوّر واعتمد خلاله الجيش الإسرائيلي نظاما معقدا لحُكم الأراضي المحتلة. كان على الجيش إيجاد طريقة لحفظ الأمن القومي والنظام العام دون تجريد الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع، والخصوصية.

IV.الحق في التجمع السلمي

العودة إلى الأعلى

أكثر من 50 عاما منذ بدء احتلالها، تواصل إسرائيل الاعتماد على هذه الأوامر العسكرية التقييدية لقمع المظاهرات، واعتقال المنظمين، والمدافعين الحقوقيين، والصحفيين، والمتظاهرين السلميين، بمن فيهم الأطفال.[88] يحظر الأمر العسكري رقم 101 أي تجمهر لأكثر من عشرة أشخاص في مكان ما “يُلقى به خطاب في موضوع سياسي أو يمكن تفسيره كسياسي أو من أجل التداول في موضوع كهذا” بدون ترخيص من قائد الجيش.[89] قالت كارن هيبلر، وهي محامية إسرائيلية تُمثل المحتجزين الفلسطينيين في نظام المحاكم العسكرية، لـ هيومن رايتس ووتش إنها لم تسمع عن أي حالة طلب فيها الفلسطينيون ترخيصا لمظاهرة في الضفة الغربية، أو عن إصدار الجيش الإسرائيلي لترخيص.[90]

في كثير من الأحيان، يعلن الجيش الإسرائيلي فجأة مكان الاحتجاج “منطقة عسكرية مغلقة” ويُلاحق الفلسطينيين الذين لم يُغادروا فورا بموجب الأمر العسكري رقم 1651 لمشاركتهم في المظاهرة. أخبر الجيش الإسرائيلي هيومن رايتس ووتش أن القائد العسكري يتمتع بسلطة إعلان منطقة معينة “منطقة عسكرية مغلقة”، إذا وُجدت “حاجة أمنية ملموسة أو حاجة ملموسة للحفاظ على النظام العام تستوجب غلق المنطقة”، ولكن على القائد العسكري أن “يوازن بين الضرورة الأمنية والحفاظ على النظام العام في مقابل الضرر اللاحق بسكان المنطقة بسبب القيود المفروضة على حرية التنقل، بما في ذلك تأثيرها على حياة الناس اليومية ووظائفهم”.[91]

قال الجيش الإسرائيلي إنه بين 1 يوليو/تموز 2014 و30 يونيو 2019، لاحق 4,590 فلسطينيا بتهمة “عدم الانصياع لأمر بخصوص منطقة عسكرية مغلقة”. أدانت المحاكم العسكرية خلال هذه الفترة 4,519 شخصا لهذه المخالفة، بعضهم أدينوا قبل 1 يوليو/تموز 2014.[92]

تُوضح الحالتان التاليتان كيف يستخدم الجيش الإسرائيلي نظام الدفاع (الطوارئ) والأمرين العسكريين رقم 101 و1651 لتقييد حق الفلسطينيين في التجمع السلمي. كلاهما يشمل فلسطينيين معتقلين لمشاركتهم في احتجاجات سياسية، ويُواجهون مجموعة من التهم التي تُجرم في شكلها التجمع السلمي (مثلا: “التظاهر دون ترخيص”)، والتي صيغت بشكل فضفاض لدرجة أنها تفتح باب الانتهاكات (مثلا: “محاولة التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بشكل يمس سلامة الجمهور أو النظام العام”)، والتي تتعلق بمخالفات معروفة (مثلا: “تخريب منشأة تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي”)، لكنها تُستخدم بانتظام من قبل الجيش الإسرائيلي لمعاقبة معارضة حكمه.

201912MENA_Palestine_photos_AR
فريد الأطرش، مدافع حقوقي، احتُجز لأربعة أيام في 2016 بسبب مشاركته في احتجاج في الخليل ولا يزال يواجه اتهامات في المحكمة العسكرية بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات.  ©2017 آيه إف بي

فريد الأطرش، بيت لحم

في 26 فبراير/شباط 2016، شارك فريد الأطرش (41 عاما)، وهو رئيس شعبة جنوب الضفة الغربية في “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” المكلفة بمراقبة امتثال السلطات الفلسطينية لحقوق الإنسان، في احتجاج في الخليل. طالب أكثر من 100 متظاهر السلطات الإسرائيلية بإعادة فتح شارع الشهداء، وهو شريان مركزي منع الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين من استخدامه على مدى الـ 19 عاما الماضية، ظاهريا لحماية حوالي 700 مستوطن إسرائيلي يقيمون في المنطقة المجاورة.[93] تُقيد إسرائيل حركة الفلسطينيين في الخليل جزئيا من خلال أكثر من 100 حاجز مادي، 21 منها عبارة عن حواجز تفتيش بحراسة دائمة.[94] حوّلت هذه الحواجز شارع الشهداء، الذي كان يعج بالحركة، إلى شارع عام مهجور محاط بنوافذ مُغلقة وتعلو الجدران المحاذية له كتابات معادية للفلسطينيين.[95]

قال الأطرش لـ هيومن رايتس ووتش إن خمسة أو ستة جنود إسرائيليين اعتقلوه عند الظهر تقريبا بعد مشاركته في الاحتجاج وحمل يافطة مكتوب عليها “افتحوا شارع الشهداء”.[96] أظهر شريط فيديو راجعته هيومن رايتس ووتش، جنودا إسرائيليين يعتقلون الأطرش دون مقاومة جسدية منه.[97] قال الأطرش أيضا إن الجنود الإسرائيليين استخدموا القنابل الصوتية، والغاز المسيل للدموع، وهو أمر يمكن رؤيته وسماعه في الفيديو، لتفريق المتظاهرين. قال إن الجنود قيدوا يديه، وكبلوا قدميه، وعصبوا عينيه.

نقله الجنود إلى مركز احتجاز في مستوطنة كريات أربع المجاورة، حيث استجوبوه لمدة ساعة تقريبا حول مشاركته في الاحتجاج وتواجده في “منطقة عسكرية مغلقة”، قبل نقله في وقت لاحق من نفس اليوم إلى مركز احتجاز في تجمع مستوطنات غوش عتصيون القريب، حيث احتجزوه لمدة خمسة أيام.

اتهمت النيابة العسكرية الأطرش، وكذلك الناشط الفلسطيني عيسى عمرو، بخمس تهم ناجمة عن مشاركتهما في الاحتجاج، وفقا للائحة الاتهام التي راجعتها هيومن رايتس ووتش. تشمل التهم “التظاهر دون ترخيص” بموجب الأمر العسكري رقم 101، وبموجب الأمر العسكري رقم 1651، دخول “منطقة عسكرية مغلقة”، و”التحريض” بسبب “محاولة التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بشكل يمس سلامة الجمهور أو النظام العام” عبر هتافاته “التحريضية”، و”التلويح بأعلام السلطة الفلسطينية”، ويافطة “افتحوا شارع الشهداء”، و”الاعتداء على جندي” على أساس “دفع” جنود حاولوا “منع المحتجين من التقدم”، و”عرقلة جندي” بهدف “محاولة تجنب، وحتى مقاومة الاعتقال بالقوة”.

أفرجت محكمة عوفر العسكرية عن الأطرش، وكذلك عمرو، بكفالة في 1 مارس/آذار 2016، إلا أن محاكمتهما لا تزال مستمرة بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف. تنتهك محاكمة الأطرش حقه في حرية التجمع، بشكل مباشر عبر اتهامه بالمشاركة في مظاهرة، وبشكل غير مباشر عبر اتهامه بدخول “منطقة عسكرية مغلقة”، و”الاعتداء على جندي”، على ما يبدو لتبرير احتجازه بسبب احتجاجه، فضلا على “التحريض” على أساس تعريف فضفاض لهذه الجريمة في الأمر العسكري.

201912MENA_Palestine_photos_AR
الناشط الفلسطيني عبد الله أبو رحمة لحظة وصوله إلى محكمة عوفر العسكرية بالقرب من رام الله في الضفة الغربية المحتلة لحضور جلسة استماع في قضية ضده، في 23 فبراير/ شباط 2015.  © 2015 آيه إف بي

عبد الله أبو رحمة، بلعين

قال أبو رحمة (48 عاما)، لـ هيومن رايتس ووتش إنه في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، داهم حوالي عشر جنود مسلحين إسرائيليين منزله في بلعين، وهي قرية تقع غرب رام الله، حوالي الساعة 1:30 صباحا، واعتقلوه، بينما تمركز ما بين 15 إلى 20 جنديا آخرين حول المنزل أثناء اعتقاله، بعد عدة أسابيع من مشاركته في احتجاج في القرية.[98] نظم أبو رحمة، أب لأربعة أطفال، لسنوات احتجاجات أسبوعية ضد الانتهاكات الحقوقية الإسرائيلية في بلعين وقرية خان الأحمر بصفته مُنسّقا لـ”اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان”.[99]

قال أبو رحمة إن الجنود عصبوا عينيه، وقيدوا يديه خلف ظهره، وهددوه بأنهم “سيجعلون الأمور أكثر صعوبة” بالنسبة له إن هو “واصل المقاومة في بلعين”.[100] قال إنهم نقلوه حوالي الساعة 2:30 صباحا إلى قاعدة عسكرية، ثم إلى مركز الشرطة في منطقة شاعر بنيامين الصناعية، في مستوطنة جنوب شرق رام الله، لاستجوابه، وكانوا يشتمونه ويضربونه بين الحين والآخر على طول الطريق. حوالي الساعة 1 بعد الظهر، بدأ محقق إسرائيلي في استجوابه بشأن أنشطته مع اللجان الشعبية ومشاركته في المظاهرات. كما سألوه عن مقطع فيديو على فيسبوك يبدو أنه يظهر فيه وهو يقترب من بوابة حديدية في الجدار الفاصل بالقرب من بلعين ويضع عصا حديدية فيها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. قال أبو رحمة إنه فعل ذلك للدلالة على معارضته لـ “سياسة إسرائيل الرامية إلى عدم السماح لنا بالوصول إلى أراضينا خلف الجدار”، لكن المحقق اتهمه بـ “بمهاجمة وتدمير ممتلكات عسكرية بمحاولة فتح البوابة في الجدار”.[101] الفيديو، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش لكن حُذِف فيما بعد، لم يُظهِر أي محاولة جادة لفتح البوابة بالقوة أو الإضرار بالجدار، بل خطوة رمزية مناهضة للجدار. قال أبو رحمة إنه أجاب في البداية عن أسئلة الضابط، لكن عندما بدأ الضابط يصرخ عليه، قرر رفض الإجابة عن أي أسئلة دون حضور محاميه خلال الثلاث ساعات المتبقية من الاستجواب.[102]

لاحقا في تلك الليلة، نقل الجنود الإسرائيليون أبو رحمة إلى سجن عوفر العسكري، جنوب غرب رام الله. في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، مثُل أمام محكمة عوفر العسكرية، والتي اتهمته بـ”تخريب منشأة تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي”، و”مخالفة ضد النظام العام” بموجب الأمر العسكري رقم 1651 بسبب “فعل أو تقصير من شأنهم أن يمسوا، يضرّوا، يُعيقوا أو يعرضوا للخطر أمن المنطقة أو أمن قوات جيش الدفاع الاسرائيلي، أو نشاطهم، استعمال أو أمن” منشآت أو معدات تملكها الدولة أو الجيش خلال احتجاج 3 نوفمبر/تشرين الثاني.[103] أمر القاضي بالإفراج عنه بكفالة قدرها 5 آلاف شيكل (1,400 دولار أمريكي) بشرط “الامتناع عن ارتكاب مخالفات تتعارض مع النظام العام”،[104] – وهو شرط لم يُعرّفه الأمر بشكل أوضح – وحضور الجلسات اللاحقة لمحاكمته. استأنف النائب العام العسكري مرتين طلب الإفراج عنه بكفالة، لكن المحكمة أيدته وأفرجت عنه بكفالة في 13 ديسمبر/كانون الأول 2017. في 3 سبتمبر/أيلول 2019، وافقت محكمة عوفر العسكرية على تسوية أقر بموجبها أبو رحمة بأنه مذنب بتهمة “تخريب منشأة تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي”، لتفادى عقوبة يُحتمل أن تكون أطول، خلال الحادث الذي وقع عند الجدار، وحُكِم عليه بالسجن 23 يوما، وهي التي قضاها، وثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة قدرها 7 آلاف شيكل (1,990 دولار أمريكي).[105]

قبل هذا الاحتجاج بأكثر من عام، في مايو/أيار 2016، شارك أبو رحمة في تنظيم سباق دراجات من رام الله إلى بلعين بمناسبة يوم النكبة، ذكرى تهجير الفلسطينيين خلال قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948.[106] قال أبو رحمة إنه عندما اقتربوا من بلعين، بدأ الجنود بإطلاق الغاز المسيل للدموع على المجموعة من مسافة 50 إلى 100 متر. أخبر جندي أبو رحمة أن هذه ” منطقة عسكرية مغلقة”، قال له أبو رحمة إنهم سيغادرون إذا توقفوا عن إطلاق النار ومنحوهم فرصة القيام بذلك. قال أبو رحمة إن إطلاق النار توقّف فتحركوا، لكن بعد 500 متر أطلقت مجموعة أخرى من عناصر شرطة الحدود النار عليهم. عندما اقترب مرة أخرى من جنود ليطلب منهم التوقّف واحترام حقوقهم، قال إنهم ضربوه مرارا واعتقلوه،[107] الأمر الذي يؤكده شريط فيديو راجعته هيومن رايتس ووتش.[108]

اتهمته النيابة العسكرية بدخول “منطقة عسكرية مغلقة” و”إعاقة جندي” بموجب الأمر العسكري رقم 1651،[109] ثم أطلق سراحه بكفالة بعد 11 يوما. في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أدانته المحكمة بهذه التهم، وحكمت عليه بالسجن أربعة أشهر، وغرامة ألفي شيكل (560 دولار أمريكي)، ووضعته تحت المراقبة لـ 3 سنوات.[110] استأنف أبو رحمة القرار في ديسمبر/كانون الأول 2018، وقضت محكمة عسكرية في أبريل/نيسان 2019 بأنه يتعين عليه إما قضاء عقوبة خمسة أشهر في السجن أو دفع غرامة قدرها 25 ألف شيكل (7،100 دولار أمريكي)، بالإضافة إلى عقوبة مدتها أربعة أشهر مع وقف التنفيذ صالحة لخمس سنوات.[111] دفع أبو رحمة الغرامة وأغلقت المحكمة القضية.[112]

وجّهت النيابة العامة العسكرية في كلتا القضيتين اتهامات جنائية فضفاضة للغاية – تتعلق بـ “تخريب

منشأة تابعة لجيش الدفاع الاسرائيلي”، ودخول “منطقة عسكرية مغلقة”، و”إعاقة جندي” – على ما يبدو لتبرير اعتقاله بسبب نشاطه ضد السياسات الإسرائيلية التقييدية.

قبل ذلك، أدانت محكمة عسكرية إسرائيلية، في أغسطس/آب 2010، أبو رحمة بتهمة “تنظيم مظاهرات غير قانونية والمشاركة فيها”، و”تحريض المتظاهرين على الإضرار بالجدار الفاصل”، و”رمي الجنود الإسرائيليين بالحجارة”، و”المشاركة في احتجاجات عنيفة”. نجمت كل هذه الاتهامات عن مشاركته في مظاهرات سلمية ضد الجدار العازل، التي وثقتها هيومن رايتس ووتش آنذاك.[113] عندما استأنف الحكم، أيّدت محكمة الاستئناف الحكم ورفعت عقوبته السجنية إلى 16 شهرا، وهي العقوبة التي قضاها.

قال أبو رحمة لـ هيومن رايتس ووتش إن الاعتقالات المُتكررة – ثماني اعتقالات منذ 2005، غالبا بسبب مشاركته في الاحتجاجات – تسببت في مضاعفات نفسية له، ولأبنائه الأربعة، وأنه توقّف عن المشاركة في الأنشطة في بلعين. يعتقد أن له “الحق”، و”الواجب” في “الدفاع والاحتجاج ضد الانتهاكات”، ويُواصل المشاركة في الاحتجاجات في أماكن أخرى.

V. الحق في حرية تكوين الجمعيات

العودة إلى الأعلى

تعتمد السلطات الإسرائيلية أيضا على أحكام فضفاضة من القانون العسكري لحظر الجمعيات باعتبارها “منظمات معادية”، واعتقال الفلسطينيين لمجرد العضوية في أو التماهي مع هذه الجماعات أو الكيانات التابعة لها. يُعرف نظام الدفاع (الطوارئ) لعام 1945 “الجمعية غير المشروعة” بأنها “أي جماعة من الناس … تنشط أو تُحرض، أو تُشجع على … قلب … بالقوة أو العنف … كره أو ازدراء، أو التحريض على عدم الولاء … تخريب أو إتلاف الأموال … ارتكاب أفعال الإرهاب” ضد السلطات المحلية.[114] يعتبر الأمر العسكري رقم 1651 “منظمة معادية” أي “شخص وكل مجموعة أشخاص التي هدفها المس بأمن الجمهور، بقوات جيش الدفاع الإسرائيلي أو بإقرار النظام العام بإسرائيل أو بمنطقة مسيطر عليها”.[115]

يسمح الأمر العسكري رقم 1651 للجيش بإغلاق “محل تجاري” أو أي “مكان آخر يرتاده الجمهور أو قسم منه” لفترات إذا كان يعتقد أن “الأمر ضروري لأجل إقرار الحكم الصحيح، النظام العام، ولأجل أمن المنطقة، وأمن جيش الدفاع الإسرائيلي”.[116] يفرض الأمر مخالفات على أي شخص ينتهك الأمر، بما في ذلك الموظفين.

لم يورد لا نظام الدفاع لعام 1945 ولا الأمر العسكري رقم 1651 أي إجراء رسمي للطعن في تحديد جمعية على أنها غير مشروعة أو قرار بإغلاق محل تجاري. تُتيح بعض الإشعارات بإغلاق جمعيات لهذه الكيانات فرصة تقديم اعتراض إلى القائد العسكري، لكن هذه العملية لا يحكمها القانون. يمكن للفلسطينيين الطعن في القرارات الإدارية أمام المحكمة العليا، لكن المحكمة أظهرت على مر السنين احتراما كبيرا لموقف الدولة أو الجيش.[117]

منذ بداية الاحتلال في يونيو/حزيران 1967 إلى يوليو/تموز 2019، صنفت وزارة الدفاع الإسرائيلية 411 منظمة على أنها “معادية”، أو “غير مشروعة”، أو “إرهابية”.[118] يُمكن أن يُتهم أعضاء المنظمات المعينة جنائيا لعضويتهم في أو لانتمائهم إلى المنظمة. ومن بين المنظمات المصنفة هكذا، كل الأحزاب السياسية الفلسطينية الرئيسية، بما في ذلك “حركة فتح” الحاكمة، وكذلك “منظمة التحرير الفلسطينية”، وهو تصنيف لا يزال قائما حتى اليوم رغم توقيع إسرائيل على “اتفاقيات أوسلو” معها في 1993. كما طبقت السلطات الإسرائيلية هذا التصنيف على عشرات المنظمات الخيرية، ووسائل الإعلام، واستخدمته كأساس لمداهمة مكاتبها، وإصدار أوامر الإغلاق، وتنفيذ الاعتقالات.

لاحق الجيش الإسرائيلي 1,704 أشخاص بسبب “العضوية والنشاط في جمعية غير مشروعة” بين 1 يوليو/تموز 2014 و30 يونيو/حزيران 2019، بحسب البيانات التي قدمها إلى هيومن رايتس ووتش. أدانت المحاكم العسكرية 1,823 أشخاص بسبب هذه المخالفة خلال فترة الخمس سنوات، بعضهم أدين قبل 1 يوليو تموز/2014.[119]

تُوضح الحالات الثلاث التالية كيف يقيّد الجيش الإسرائيلي من حق الفلسطينيين في حرية تكوين الجمعيات. تشمل كل الحالات الثلاثة فلسطينيين محتجزين بسبب “العضوية والنشاط في جمعية غير مشروعة” بموجب نظام الدفاع (الطوارئ) لارتباطهم بأفراد أو جماعات مُنخرطة في النشاط السياسي أو الإنساني الذي تعتبره إسرائيل تهديدا أمنيا. تشمل هذه القضايا فنانا احتُجِز بسبب علاقته بشباب معارضين السلطة الفلسطينية وحكم الجيش الإسرائيلي (حافظ عمر)، ونائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني محتجزة بسبب نشاطها السياسي في صفوف “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” (خالدة جرار)، ومديرة إدارية لمؤسسة خيرية تعمل في غزة بسبب مزاعم بشأن صلاتها هناك بسلطات حماس(نجوان عودة).

حافظ عمر، رام الله

في الساعات الأولى من صباح 13 مارس/آذار 2019، اعتقل جنود إسرائيليون الفنان والناشط حافظ عمر (36 عاما) من منزله في رام الله. قال شقيقه محمد لـ هيومن رايتس ووتش إن حافظ صمّم ملصقات حول قضايا حقوق الفلسطينيين، خاصة لأنها تتعلق بالأسرى، والتي نشرها على فيسبوك.[120]

قال إن عشرة جنود تقريبا جاءوا، حوالي الساعة 2:45 صباحا ذلك اليوم، إلى منزله للاستفسار عن مكان وجود حافظ، الذي قالوا إنه “مطلوب” و”إرهابي”. عندما رفض إخبارهم، أجبروه على مرافقتهم إلى منزل حافظ، في آخر الشارع، والذي يبدو أنهم كانوا يعرفون موقعه. قال محمد إن الجنود تحدثوا إلى شقيقه هناك على انفراد ثم اقتادوه إلى الحجز.[121]

قالت ” مؤسسة الضمير الفلسطينية لرعاية الأسير وحقوق الانسان” (مؤسسة الضمير)، التي تُمثل حافظ عمر في المحكمة، إن السلطات الإسرائيلية احتجزته بمعزل عن العالم الخارجي خلال الأيام السبع الأولى من اعتقاله،[122] ومنعته من الاتصال بمحام لمدة 20 يوما.[123] قالت إن السلطات الإسرائيلية احتجزت عمر لفترة طويلة في مركز احتجاز في عسقلان داخل إسرائيل، رغم أنها نقلته إلى أماكن أخرى، وجدد اعتقاله عدة مرات. قال عمر لمؤسسة الضمير إن الاستجوابات ركزت “على أعماله الفنية ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تدعم حقوق الأسرى الفلسطينيين”.[124]

اتهمت النيابة العسكرية عمر بـ “العضوية والنشاط في جمعية غير مشروعة” بموجب نظام الدفاع لعام 1945 وبثلاث مخالفات بموجب الأمر العسكري رقم 1651، وفقا للائحة اتهام صدرت في 23 أبريل/نيسان راجعتها هيومن رايتس ووتش.[125] تزعم لائحة الاتهام أن عمر كان، لمدة ثماني سنوات، جزءا من “تجمع الحراك الشبابي”، الذي حظرته إسرائيل في 2016 لأنه “منظمة إرهابية” “تعمل تحت تعليمات وبتمويل من حزب الله [حزب سياسي وجماعة عسكرية في لبنان] وإيران”، وفقا لبيان وزير الدفاع آنذاك أفيغدور ليبرمان.[126]

لا تتضمن لائحة الاتهام، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، أي تفاصيل حول الحراك الشبابي، ولا دليل على وجود أي صلة بين عمر وحزب الله أو إيران. بدلا من ذلك، تُبرز لائحة الاتهام مشاركة عمر في العديد من الاحتجاجات في السنوات الثمانية الماضية، بما في ذلك احتجاجات 2012 و2013، التي دعت إلى “لا للمفاوضات مع إسرائيل. نعم للوحدة الوطنية [بين فتح وحماس]”؛ ومسيرة في 2015 تخللتها اشتباكات مع القوات الإسرائيلية؛ ومظاهرة في 2016 بشأن مقتل ناشط على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية؛ واحتجاجات في 2018 ضد “العقوبات على قطاع غزة” التي فرضتها عليها السلطة الفلسطينية؛ وإضرابات عن الطعام ومخيم احتجاجي تضامنا مع الأسرى الفلسطينيين؛ واجتماعات مع أعضاء مزعومين آخرين في الحراك الشبابي، بما في ذلك في مقاهي في رام الله.

تزعم لائحة الاتهام أن عمر انضم إلى الحراك الشبابي في 15 مارس/آذار 2011. في ذلك التاريخ، وفقا لتقارير صحفية، خرج عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، أغلبهم شباب نشطاء مُستلهمين من الاضطرابات السياسية في مصر وبلدان عربية أخرى، و دون أي تنظيم مركزي معروف، إلى الشوارع “مطالبين بوضع حد للانقسام السياسي والاحتلال الإسرائيلي”.[127] لا يبدو أن أيا من الأحداث المشار إليها في لائحة الاتهام تنطوي على عنف ما عدا مزاعم بأنه “رشق قوات الأمن بالحجارة” خلال حوادث عدة غير محددة “خلال 2015، أو في وقت قريب”. قال محمد، شقيق حافظ، إن حافظ لا ينتمي إلى أية جماعة.[128] تساءل بعض المحللين عما إذا كان للحراك الشبابي المذكور في لائحة الاتهام وجود كمنظمة في الأصل.[129]

كما اتهمت النيابة العامة عمر بموجب الأمر العسكري رقم 1651 بتهمة “إعطاء ملجأ” قبل أكثر من 15 عاما، في 2003 – 2004، لرجل متهم بالتورط في قتل مدنيين إسرائيليين و”إلقاء أغراض على شخص أو أملاك”، في إشارة إلى حادثة يُزعم أن عمر ألقى فيها الحجارة على الجيش الإسرائيلي خلال احتجاجات 2015. تشمل لائحة الاتهام أيضا “الاتصال مع العدو”، في إشارة إلى زعم بأن عمر على اتصال عبر فيسبوك مع ناشط في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، الذي طلب من عمر أن “ينقل إليه” رمادا من قبر صديق قُتل في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية. تشير لائحة الاتهام إلى أن عمر “اتصل” بالناشط “مع علمه بأنه يعمل لصالح العدو”.

اتهام عمر بالعضوية في “منظمة غير شرعية”، بمعزل عن أي فعل جنائي معروف، ينتهك حقه في حرية تكوين الجمعيات. يبدو أن إثارة مزاعم لا أساس لها من الصحة بإلقاء الحجارة منذ أكثر من 3 سنوات، والنبش في حدث مضى عليه 15 عاما، تهدف إلى معاقبة عمر لمعارضته الحكم العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية.

لا يزال عمر محتجزا حتى تاريخ نشر هذا التقرير.  قال محمد إنه تمكّن من زيارة عمر للمرة الأولى فقط في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وإن ما من فرد آخر من الأسرة تمكن من زيارته إلى حدود 17 نوفمبر/تشرين الثاني.[130]

201912MENA_Palestine_photos_AR
النائبة خالدة جرار تتحدّث إلى صحفيين في الكنيسة الكاثوليكية في رام الله بالضفة الغربية، عقب إطلاق سراحها في فبراير/شباط 2019 بعد 20 شهرا في الاعتقال الإداري دون محاكمة أو تهمة.  © 2019 وكالة الأناضول / غيتي إيمدجز

خالدة جرار، رام الله

بين يوليو/تموز 2017 وفبراير/شباط 2019، وضعت السلطات الإسرائيلية خالدة جرار (56 عاما)، عضوة المجلس التشريعي الفلسطيني، رهن الاعتقال الإداري دون محاكمة أو تهمة، مُحيلة إلى الأمر العسكري رقم 1651 وسجلت أنها ناشطة سياسية “تُشكل تهديدا للأمن في المنطقة” دون أي تفاصيل أخرى.[131] جاء هذا الأمر سنة بعد أن أمضت 14 شهرا في السجن إثر إقرارها بأنها مُذنبة بتهم تتعلق بنشاطها السياسي مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي جماعة سياسية تضم حزبا سياسيا يساريا وجناحا مسلحا هاجم الجنود والمدنيين الإسرائيليين. رغم أن إسرائيل حظرت هذه الجماعة، بما في ذلك الحزب السياسي، فهي لا تزال مستمرة في أنشطتها السياسية، بما في ذلك المشاركة في الانتخابات الفلسطينية. لم تتهم السلطات الإسرائيلية جرار بالتورط في أي هجوم مسلح أو بأي صلات به. في 2006، فازت جرار بمقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني في قائمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.[132] يشمل نشاطها في الجبهة الشعبية حضور المظاهرات، وزيارة الأسرى المفرج عنهم، والخطب والمقابلات التي تدعو إلى إطلاق سراح الأسرى.[133]

قالت جرار إن السلطات الإسرائيلية منعتها منذ 1988 من السفر، باستثناء رحلة إلى عمان لأسباب طبية دامت ثلاثة أسابيع في 2010.[134]

في أغسطس/آب 2014، سلّم الجيش الإسرائيلي جرار “أمرا عسكريا بالإبعاد” وأمرها بالانتقال إلى أريحا لمدة ستة أشهر على أساس أنها تشكل “تهديدا أمنيا” بناء على “معلومات استخباراتية”.[135] رفضت جرار الانتقال، وبقيت في رام الله حيث تعيش، ودخلت في اعتصام احتجاجي في مقر “المجلس التشريعي الفلسطيني”.

في 2 أبريل/نيسان 2015، داهم جنود إسرائيليون منزلها في رام الله قبل الفجر واعتقلوها. قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن الضابط الذي اعتقلها قال لها: “رفضتِ تنفيذ لأمر الإبعاد إلى أريحا، لهذا أتيت اليوم لاعتقالك”.[136]

13 يوما بعد وضعها رهن الاعتقال الإداري في سجن هشارون وسط إسرائيل، وجهت إليها النيابة العسكرية 12 تهمة في نفس الوقت،[137] لا تنطوي أي منها على أي دعوة مباشرة إلى العنف أو تورّط فيه.[138] في ديسمبر/كانون الأول، عدّلت النيابة العامة لائحة الاتهام للتركيز على تهمتين فقط: “العضوية في جمعية غير مشروعة” بموجب نظام الدفاع لعام 1945، و”التحريض” بموجب الأمر العسكري رقم 1651.[139]

استندت النيابة العسكرية في تهمة التحريض إلى خطاب ألقته في 2012 في تجمّع للجبهة الشعبية. اتهمت لائحة الاتهام جرار بالحديث “ضد ’الاحتلال الإسرائيلي‘ ودعوة الجبهة الشعبية إلى ’رفع رأسها‘ بخطف جنود إسرائيليين بهدف التفاوض والإفراج عن سجناء فلسطينيين”، بينما كانت تقف أمام لافتة تدعو إلى خطف الجنود.[140] مع ذلك، سجّل قرار الحكم أنّ النيابة واجهت “صعوبات في إثبات الذنب” بالتهم الموجهة إليها.[141]

في بداية الإجراءات، أمر القاضي بالإفراج عن جرار بكفالة، ووجد أنّها لا تشكل “تهديدا أمنيا”، وأنّ التهم تتعلق بأنشطة مضت عليها سنوات. إلا أنّ محكمة استئناف عسكرية نقضت القرار،[142] بعد أن استأنفت النيابة العامة العسكرية أمر الإفراج وحذّرت من أنها تعتزم الحصول على أمر بالاعتقال الإداري ضد جرار – أي أنه أمر باحتجازها دون محاكمة أو تهمة جنائية في حال أفرجت المحكمة عنها.[143]

قالت جرار لـ هيومن رايتس ووتش إنّ إجراءات المحكمة دامت ثمانية أشهر، تضمنت أكثر من 30 جلسة. قالت إنها في كل جلسة كانت تبقى خارج زنزانتها لمدة 20 ساعة، أغلب الوقت “جالسة في البوسطة [سيارة نقل عسكرية] مع تكبيل ذراعي ورجلاي”، وقد أُلغيت جلسات أحيانا بعد الرحلة الطويلة.

في النهاية، أقرت جرار بأنها مذنبة بتهمتين: “العضوية في جمعية غير مشروعة” و”التحريض”، كجزء من اتفاق تفاوضي مع الادعاء لتخفيف العقوبة إلى السجن 15 شهرا وغرامة قدرها 10 آلاف شيكل (2,800 دولار أمريكي).[144] قال محاموها إنها وافقت بسبب إنهاكها جراء الإجراءات المطولة، وعدم ثقتها بالمحاكم العسكرية، وخطر الحكم عليها بالسجن لمدة سبع سنوات إذا ذهبت إلى المحاكمة.[145] تتشبث جرار ببراءتها من تهمة التحريض.[146] أفرج عنها الجيش الإسرائيلي في يونيو/حزيران 2016 بعد أن أمضت أكثر من 14 شهرا في الحجز.

اعتقال جرار فقط بسبب نشاطها السياسي مع الجبهة الشعبية، دون توجيه تهمة لها أو إدانتها عن أي أعمال عنف، هو انتهاك لحريتها في تكوين الجمعيات. الاعتماد على تعريف فضفاض للغاية للتحريض في الأمر العسكري يجعل محاكمة جرار بهذه التهمة تعسفيا.

بعد عام، في يوليو/تموز 2017، اعتقل 50 جنديا إسرائيليا ب جرار مجددا من منزلها في رام الله. هذه المرة، وضعوها رهن الاعتقال الإداري دون محاكمة أو تهمة. قالت جرار إن المحققين ركزوا مجددا على نشاطها السياسي.

جدّد الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق اعتقالها الإداري أربع مرات، بناء على الأمر العسكري رقم 1651. أبقى الجيش الإسرائيلي الأدلة ضدها سرية، كعادته في قضايا الاعتقال الإداري، زاعما فقط أن جرار “ناشطة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتُشكل تهديدا للأمن في المنطقة”.[147] قالت جرار إنها وفريقها القانوني قاطعوا معظم جلسات الاستماع في قضيتها. قالت إن النيابة العسكرية في عدة جلسات استماع قالت إن الأجهزة الإلكترونية الخاصة بجرار قيد المراجعة. أفرج عنها الجيش في 28 فبراير/شباط 2019، بعد 20 شهرا بين سجني هشارون والدامون، لكنه اعتقلها مجددا في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2019. لا تزال جرار في الاحتجاز حتى تاريخ نشر هذا التقرير.

نجوان عودة، رام الله

في 7 سبتمبر/أيلول 2015، حوالي الساعة 2:30 صباحا، داهم أكثر من 50 جنديا إسرائيليا منزل نجوان عودة (36 عاما)، في البيرة، بلدة مجاورة لرام الله.[148] قالت عودة لـ هيومن رايتس ووتش إن الجنود فتشوا المنزل غرفة غرفة، وتركوا المنزل في حالة فوضى، وبعد أن أكدت أنها تعمل مع قطر الخيرية، اعتقلوها. اعتقلت قوات الاحتلال موظفين اثنين آخرين في قطر الخيرية في نفس اليوم، وموظفين اثنين آخرين في مايو/أيار 2016.[149]

قطر الخيرية منظمة غير حكومية، مقرها في الدوحة، تدعم مشاريع في مجالات تتراوح بين الصحة والمياه وصولا إلى التعليم والثقافة في أكثر من 55 بلدا في أنحاء العالم.[150] لديها شراكات مع “أطباء بلا حدود”، و”برنامج الأغذية العالمي”، و”المجلس النرويجي للاجئين”، و”منظمة الأمم المتحدة للطفولة” (اليونيسيف)، و”المنظمة الدولية للهجرة”، و”الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية”، وغيرها.[151] في معرض حديثه عن العديد من المنظمات بما في ذلك قطر الخيرية في يناير/كانون الثاني 2017، قال ستيفان دوياريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: “قام ’مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية‘[الأممي] على مدى سنين ببناء شراكات قوية مع هذه المنظمات مبنية على المبادئ الإنسانية المشتركة، والتي هي غير سياسية إطلاقا”.[152]

أضاف الجيش الإسرائيلي قطر الخيرية إلى قائمة “الجمعيات غير المشروعة” في مايو/أيار 2008.[153] في يوليو/تموز 2008، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية قطر الخيرية و35 جمعية خيرية أخرى “جمعيات محظورة في إسرائيل”، دون تحديد ما إذا كان الحظر ينطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، على أساس مزاعم بتقديم الدعم لحماس.[154] في2011، حددت الهيئة الإسرائيلية لحظر غسل الأموال وتمويل الإرهاب قطر الخيرية كواحدة من 163 منظمة زعمت أن أموالها لها صلات بالإرهاب، ومنعت المنظمات المحلية من تلقي أموالها.[155]

إلا أن عودة قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن أموال قطر الخيرية لم تذهب إلى حماس أو الحكومة التي تقودها حماس في غزة، وإنما صُرفت لتغطية التكاليف الإدارية المتعلقة بمكتب قطر الخيرية هناك ومُنحت لشركات القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع إنمائية.[156]

رغم الحظر الحكومي، تواصل قطر الخيرية العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما تفعل منذ 1996. إسرائيل لم تحظر أعمال قطر الخيرية في الضفة الغربية، كما فعلت مع هيئات أخرى حظرتها، بل سمحت لها مؤخرا بتمويل مشاريع إنمائية تعمل عليها في قطاع غزة إلى كما حدث في مايو/أيار 2019.[157]

قالت عودة، التي تعمل في قطر الخيرية كمديرة إدارية تُشرِف على الموارد البشرية، والمشتريات والعلاقات العامة، إن القوات الإسرائيلية أبقتها بعد اعتقالها في 7 سبتمبر/أيلول لأكثر من 13 ساعة في سيارة عسكرية مكبلة اليدين، ومُقيدة الرجلين، ومعصوبة العينين.[158] قالت إنها تقيأت عدة مرات، وأن جنديات نزعن ملابسها وفتشناها مرتين.

في تلك الليلة، وصلت إلى مركز احتجاز الجلمة (كيشون) شمال إسرائيل، حيث جُرِّدت من ملابسها وفُتِّشت مجددا. خلال أكثر من أسبوعين التي قضتها هناك، استجوبها ضباط إسرائيليون من أجهزة الاستخبارات والشرطة مرارا عن قطر الخيرية: تمويلها، والعاملين فيها، وكيفية نقل الأموال إلى غزة، والمصارف المُستخدمة، والمنظمات الشريكة. قالت إن مُحققا سألها: “أنت جميلة، لماذا لم تتزوجي حتى الآن؟”.

بعد 18 يوما، نقلتها السلطات إلى سجن هشارون في إسرائيل. اتهمتها النيابة العسكرية بـ “العضوية والنشاط في” و”العمل كعضو في جمعية غير مشروعة” بموجب نظام الدفاع لعام 1945 لعملها في قطر الخيرية و”تحويل أموال العدو” بموجب الأمر العسكري رقم 973 بسبب تلقي وتحويل أموال دون تصريح. رغم أن القانون العسكري الإسرائيلي يتطلب تصريحا لدخول التمويل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، يُفرَض هذا الحكم بشكل غير متكافئ، بما في ذلك عندما سمحت إسرائيل بدخول تمويل قطر الخيرية إلى غزة في مايو/أيار 2019. تسرد لائحة الاتهام، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، الأموال القادمة من وإلى قطر الخيرية دون ادعاء أي صلة بين تدفق التمويل والعنف، أو الإرهاب أو حماس، أو أي نشاط تقوم به عودة خارج عملها مع قطر الخيرية. بعد شهرين ونصف، نقلتها السلطات إلى سجن الدامون في حيفا.

قالت عودة إنها حضرت حوالي 40 جلسة بين محكمة بتاح تكفا ومحاكم عوفر وسالم العسكرية. بنصيحة من محاميها بعد التوصل إلى اتفاق مع السلطات، أقرت عودة أنها مُذنبة بالعضوية في “جمعية غير مشروعة” مقابل 18 شهرا في السجن – وهي أساسا المدة التي قضتها – وسنة تحت المراقبة بشرط ألا “ترتكب المخالفة التي أدينت بها”، ما يشكّل حظرا فعليا على عودتها إلى وظيفتها، و100 ألف شيكل (28 ألف دولار أمريكي) كغرامة. قبلت محكمة عوفر العسكرية إقرارها في 8 فبراير/شباط 2017، ووجدت أن العقوبة “معقولة ومتوازنة”، وأفرجت عنها في اليوم التالي.[159]

باحتجاز عودة بسبب عملها مع مؤسسة خيرية معروفة دون إثبات أي صلة بنشاط عنيف أو إجرامي، انتهكت إسرائيل حق عودة في حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها. قالت عودة إنها “لا تزال تبحث عن إجابات” حول سبب اعتقال الجيش الإسرائيلي لها، وتُريد فقط أن “تعود حياتها إلى وضعها الطبيعي”.

VI. الحق في حرية التعبير

العودة إلى الأعلى

اعتقلت السلطات الإسرائيلية عشرات النشطاء والمواطنين الفلسطينيين العاديين لممارستهم حقهم في التعبير السلمي. يحظر الأمر العسكري رقم 1651 من “يحاول، إما شفهيا أو بصورة أخرى، التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بالصورة التي من الممكن أن تمس بسلامة الجمهور أو بالنظام العام”، ويصنّف هذا الخطاب على أنه “تحريض” يُعاقب عليه بالسجن 10 سنوات.[160]

في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، قال الجيش الإسرائيلي إنه لاحق 358 شخصا بتهمة “التحريض” بين 1 يوليو/تموز 2014 و30 يونيو/حزيران 2019، وأن المحاكم العسكرية أدانت 351 منهم (98%).[161]

في السنوات الأخيرة، ركزت السلطات الإسرائيلية بشكل متزايد على ما تعتبره “تحريضا” على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يقولون إنها ساهمت في موجة من عمليات الطعن وغيرها من أعمال العنف التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2015، والتي ارتكبها أفراد غير تابعين لأي جماعة مُسلحة معروفة. في يوليو/تموز 2018، أبلغ جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي، “أسوشيتد برس” أن السلطات الإسرائيلية أحبطت أكثر من 200 هجوم فلسطيني عبر مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.[162] أشار كذلك إلى أن وزارته شكّلت فريقا لفحص “كميات هائلة من البيانات” على وسائل التواصل الاجتماعي، وتطوير خوارزميات التنبؤ لتحديد من سيتم استهدافهم. أبلغت مؤسّسة الضمير المعنية بالدفاع عن حقوق الأسرى الفلسطينيين عن 650 حالة اعتقال بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي في 2017 و2018، وهو الرقم نفسه الذي ذُكِر في الصحافة الإسرائيلية.[163]

رغم ذلك، لم تكشف السلطات الإسرائيلية عن كيفية برمجة أنظمتها لتُقرر من يشكل تهديدا مستقبليا، أو كيف تستخدم هذه التحديدات لاحتجاز الفلسطينيين. كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل تُقيّد المراقبة، أو كيف تقوم بذلك، للتأكد من أنها ضرورية ومتناسبة تماما لتحقيق هدف مشروع، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي لحقوق الإنسان.

تُوضِح الحالات الثلاثة أدناه كيف أن الجيش الإسرائيلي حاكم فلسطينيين بسبب نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل التعبير. كل الحالات الثلاثة تنطوي على جهود لوصف الخطاب الذي يُعارض، ويمكن أن يُحرّض على معارضة، السياسات الإسرائيلية دون أن يُشكل أي تهديد وشيك بالعنف على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي، بـ “التحريض” أو دعم الإرهاب، ويمُكن أن تُحيل كلاهما على مخالفات تستوجب المحاكمة. تشمل هذه الحالات منشورات وبث مباشر على فيسبوك لمواجهات مع جنود إسرائيليين. تشمل حالتان صحفيَين فلسطينيَين متهميَن بالتحريض ودعم الإرهاب بسبب تقاريرهما. وثّق “المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية” (مدى) 41 حالة اعتقال لصحفيين وإغلاق مؤسستين من قِبل القوات الإسرائيلية في 2018،[164] و33 حالة اعتقال لصحفيين وإغلاق 17 مؤسسة إعلامية في 2017.[165]

بالإضافة إلى المتهمين بناء على منشورات مُحددة، قال نائب عام عسكري قابلته هآرتس إن المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أسفرت عن اعتقال إداري لعشرات الفلسطينيين دون محاكمة أو تهمة،[166] وهو ما أكده لـ هيومن رايتس ووتش أربعة محامين مثّلوا فلسطينيين في المحاكم العسكرية، وباحثة قانونية عملت على الاعتقال الإداري.[167]

في إطار جهودها لتنظيم الخطاب على الإنترنت، شجّعت السلطات الإسرائيلية فيسبوك وغيره من مُقدمي خدمات التواصل الاجتماعي لحذف محتوى عن منصاتهم.  قالت الشرطة الإسرائيلية في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش إنها تُبلغ مباشرة شركات التواصل الاجتماعي عن منشورات “فقط في حالات استثنائية وبخصوص مخالفات جنائية خطيرة وليس في الحالات التي لا ترقى فيها المنشورات إلى مخالفات”. أشارت الشرطة إلى أنها “لا تطلب من الشركات حذف منشورات ولكنها تلفت نظرها إلى هذه المنشورات لكي تراجعها”.[168]

في هذه الأثناء، قالت وزيرة العدل الإسرائيلية إن مكتب المدعي العام لدولة إسرائيل قدم 12,351 طلبا إلى مختلف شركات وسائل التواصل الاجتماعي في 2017 لـ “حذف محتوى، وتقييد الوصول، وغربلة نتائج البحث بالنسبة للمحتويات الممنوعة”. أشارت إلى أن 99٪ من المحتوى يرتبط بـ “نشاط إرهابي ودعم الإرهاب” أو” التحريض على الإرهاب، والعنصرية، والعنف، وكذلك التهديد بارتكاب الإرهاب”، وأن شركات التواصل الاجتماعي “تجاوبت بالكامل” بنسبة 85٪ من طلباتها و”تجاوبت جزئيا” بنسبة 3.5٪.[169] وفقا لوزارة العدل، من إجمالي 12,531 طلبا، قُدِّم حوالي 11,754 إلى فيسبوك، و517 إلى يوتيوب، والباقي إلى غوغل، وتويتر، وغيرها.[170] أفاد مكتب النائب العام للدولة عن تقديم 14,283 طلبا بخصوص محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي في 2018.[171]

في رسالة إلى هيومن رايتس ووتش، أوضح فيسبوك أنه يدرس في البداية ما إذا كان المحتوى الذي تُبلِغ عنه الحكومات يمتثل لـ”معايير مجتمع فيسبوك” التي تنطبق عالميا. عندما يجد أن المحتوى يمتثل لهذه المعايير، يدرس فيسبوك ما إذا كان طلب إزالة المحتوى يراعي الأصول القانونية. في حال كان الطلب “فضفاضا للغاية”، و”لا يتسّق مع المعايير الدولية” أو لا يكون وفقا للأصول القانونية المحلية”، يطلب “توضيحا للطلب أو لا يتخذ أي إجراء”.

بخصوص تطبيق معايير المجتمع، لا يقدم فيسبوك توزيعا جغرافيا للمحتوى الذي حذفه بموجب هذه المعايير، أو النسبة المئوية للمحتوى المحذوف الذي يعلم أنه متصل بطلب حكومي. تفرض هذه المعايير على فيسبوك إزالة “المحتوى الذي يشيد بالعنف أو يحتفي بمعاناة الآخرين أو إذلالهم”، [172] وإزالة “المحتوى الذي يعبّر عن دعم مجموعات أو زعماء أو أشخاص ضالعون في هذه الأنشطة [الإرهابية] أو يمدحهم”.[173] كما أشار فيسبوك إلى أنه لا يسمح “للمنظمات الإرهابية والإرهابيون” بـ”التواجد” على منصته. قال فيسبوك في رسالته أيضا إنه يلتزم بقائمة المنظمات الأجنبية الصادرة في الولايات المتحدة،[174] والتي تتضمن حركات سياسية لديها أذرع مسلحة مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحماس”.[175]

في تقريره العلني حول قيود المحتوى في إسرائيل بحسب القوانين المحلية، قال فيسبوك إنه، في فترة السنوات الخمسة بين 1 يوليو/تموز 2014 و30 يونيو/حزيران 2019، قيّد الوصول إلى 4,451 قطعة محتوى في إسرائيل، أغلبها بسبب “إنكار الهولوكوست”، استجابة لطلبات من الحكومة الإسرائيلية بموجب القانون الإسرائيلي.[176]

201912MENA_Palestine_photos_AR
ناريمان التميمي (إلى يمين الصورة) مع زوجها باسم وابنتهما عهد، عند نقطة تفتيش إسرائيلية بالقرب من قرية النبي صالح وسط الضفة الغربية في 29 يوليو/تموز 2018 عقب إطلاق سراحها وعهد من السجن لمدة سبعة أشهر بعد اعترافهما بالذنب في اتهامات أعقبت مواجهة بين عهد وجندي بثتها ناريمان على فيسبوك في يوليو/تموز 2018.  © 2018 وكالة الأناضول/غيتي إيمدجز.

ناريمان التميمي، النبي صالح

في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017، اعتقلت شرطة الحدود الإسرائيلية ناريمان التميمي (42 عاما)، في مركز شرطة بنيامين، في مستوطنة بالقرب من رام الله، حيث ذهبت بعد أن اعتقلت القوات الإسرائيلية ابنتها عهد (16 عاما آنذاك)، خلال مداهمة ليلية لمنزلهما في قرية النبي صالح، شمال غرب رام الله.

قبل 4 أيام، في 15 ديسمبر/كانون الأول، أطلق جندي إسرائيلي رصاصة مغلفة بالمطاط أصابت وجه محمد التميمي (15 عاما قريب ناريمان، وأصابته بجروح بالغة خلال احتجاج في قرية النبي صالح ضد اعتراف الرئيس الأمريكي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.[177] في وقت لاحق من ذلك اليوم، اندلعت مواجهة بين الجنود الإسرائيليين المتمركزين في الفناء الأمامي لمنزل ناريمان، وعهد ونور (21 عاما) قريبة ناريمان، والتي بثّتها ناريمان مباشرة على فيسبوك. انتشر الفيديو، الذي تظهرُ فيه عهد وهي تدفع وتصفع الجنود، بشكل كبير وجذب انتباه وسائل الإعلام.

قالت ناريمان، الباحثة الميدانية السابقة في الجمعية الحقوقية الفلسطينية “مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي”، والعضوة في لجنة التنسيق في اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان” في النبي صالح، لـ هيومن رايتس ووتش إنها كانت تأمل حضور الاستجواب الذي توقعت أن تواجهه عهد في مركز الشرطة. بدلا من ذلك، أخذها الضباط إلى غرفة منفصلة، واستجوبوها بشأن الفيديو الذي بثته مباشرة. قالت إنها اختارت عدم الرد عن أية أسئلة لأنهم رفضوا السماح لها بالتحدث إلى محاميها. قالت إن الضباط قالوا لها إن بثها المباشر يشكل تحريضا، لأنه يرقى إلى “دعوة الناس إلى الحضور ومقاومة الجيش الإسرائيلي في تلك اللحظة بالضبط”، وأنها أيضا رهن الاعتقال. كما ضغط عليها المحققون بشأن صورة حسابها الشخصي على فيسبوك، وهي صورة لشقيقها الذي قتلته القوات الإسرائيلية في 2012، وأخبروها إنهم يعتبرون نشر صور الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية “تحريضا”.[178]

قالت ناريمان إن بعد استجوابها لأكثر من 3 ساعات ونصف، أخذها ضباط إلى غرفة مع عهد، لكنهم منعوهما من التحدث معا. لاحقا تلك الليلة، نقلهما الجنود إلى سجن هشارون داخل إسرائيل، حيث وصلتا ا حوالي منتصف الليل، وفصلوهما في السجن.[179]

في 20 ديسمبر/كانون الأول، اعتقل الجيش الإسرائيلي أيضا نور التميمي. بعد الاعتقالات، قال نفتالي بينيت، وزير التعليم في إسرائيل آنذاك، إن التميميين “يجب أن يقضوا بقية حياتهم في السجن.[180]كما طالب أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع آنذاك، بإنزال عقوبة “صارمة تكون رادعا” للآخرين”.[181]

استجوب الضباط ناريمان ثلاث مرات أخرى، وفي كل مرة كانوا يعودون إلى “تحريضها”. قالت إنهم سألوها أيضا عن منشوراتها على فيسبوك، يعود تاريخ بعضها إلى 7 سنوات، عن فلسطينيين نفذوا عمليات ضد إسرائيليين أو قُتلوا على أيدي القوات الإسرائيلية. تذكرت أنهم سألوها مرة عن منشور في 2017 شاركت فيه صورة عن منشور لفتاة قتلتها القوات الإسرائيلية أثناء محاولتها تنفيذ هجوم بالطعن.[182] كتبت الفتاة “قومو استشهدو يا الله قومو نفذو عمليات”، وعلقت عليها ناريمان بـ “هذه كلمات الشهيدة فاطمة [حجاج] لم تستطيع أن تخون اصحاب الامعاء المقاومة فردت بطريقتها”.[183]

في 1 يناير/كانون الثاني 2018، اتهمت محكمة عوفر العسكرية ناريمان بـ “الاعتداء الشديد على جندي”، و”إعاقة جندي”، وتهم عديدة بـ “التحريض” بموجب الأمر العسكري رقم 1651، استنادا إلى أحداث 15 ديسمبر/كانون الأول، وفقا للائحة الاتهام الأصلية التي راجعتها هيومن رايتس ووتش. تزعم التهمتان الأوليان أن ناريمان “صرخت في وجه جنديين ودفعتهما”. نفت ناريمان هذه التهمة، وصرحت بأنها صوّرت المواجهة كاملة بهاتفها. لإثبات إحدى تهم التحريض، ركزت لائحة الاتهام الأصلية على بثها المباشر للحدث على صفحتها على فيسبوك، مدعية أن ناريمان “حاولت التأثير على رأي الجمهور في المنطقة بالصورة التي من الممكن أن تمس بسلامة الجمهور أو بالنظام العام، ودعت مباشرة إلى ارتكاب أعمال إرهابية”. لا يتضمن مقطع الفيديو الذي راجعته هيومن رايتس ووتش مثل هذه الدعوة أو استخدام العنف من قبل ناريمان.[184] لا تشير لائحة الاتهام أيضا إلى أي شيء قالته ناريمان نفسها أثناء البث المباشر، لكنها تشير إلى أنه “تمت مشاهدته من قبل آلاف المستخدمين، وشاركه عشرات المستخدمين، وتلقى عشرات الردود وأعجِب به العشرات”.[185]

تشمل لائحة الاتهام أيضا تهمة ارتكاب “مخالفات ضد النظام العام” بسبب أفعال ناريمان خلال مداهمة للجيش بالقرب من منزلها في 8 ديسمبر/كانون الأول، وتشير إلى أنها، خلال بثها المباشر، قالت لعهد خلال مواجهة مع الجنود في منزلهم ” تخليهمش من الدار يفوتوا عهد”، “بسرعة بسرعة اطرديهم”، و”نادي على الشباب احكيلهم طلعوا من هان”، وقالت بعد أن غادر الجنود “خلص شافوهم، الحجار عليهم” . لم يُظهِر البث المباشر الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، ناريمان وهي تقوم بهذه التصريحات. كما تزعم لائحة الاتهام أنه في نفس اليوم بصقت ناريمان على جندي، الأمر الذي يبدو أن الفيديو يظهره أيضا. كما تتهمها بـ “التحريض” من خلال 3 منشورات على فيسبوك بين 7 مايو/أيار و17 يونيو/حزيران 2017، بما في ذلك منشور عن فاطمة حجاج، وصورة لرجل يحمل حجارة مع تعليق لها تصفه فيه بالشهيد وتقول فيه “نعم افرح لأنك قدمت روحك من أجلهم”، ومنشور آخر عن هجوم أسفر عن مقتل جندي و3 مهاجمين فلسطينيين، مُعلنة أن “الثلاثة ماتوا موت الأسود”.

كما اتهمت النيابة العامة عهد بـ 12 تهمة تتعلق بـ “تهديد جندي”، و”اعتداء شديد على جندي”، و”عرقلة جندي”، و”مخالفات ضد النظام العام”، و”إلقاء أغراض على شخص أو أملاك” و”التحريض”. رفضت المحكمة الإفراج عنها بكفالة.[186] اتهمت النيابة العامة نور التميمي بـ “اعتداء شديد على جندي”، و “عرقلة جندي”. وأمرت المحكمة بالإفراج عنها بكفالة 5 آلاف شيكل (1,450 دولار أمريكي) في 5 يناير/كانون الثاني 2018.

في 21 مارس/آذار 2018، وافقت ناريمان على الإقرار بأنها مذنبة بمجموعة ثانوية من التهم بموجب لائحة اتهام منقحة، تضمنت إحداها تحريضا يستند فقط إلى البث المباشر ليوم 15 ديسمبر/كانون الأول على فيسبوك، و”المساعدة في الاعتداء على جندي” خلال أحداث 15 ديسمبر/كانون الأول، و”عرقلة جندي” بناء على بث مباشر في 8 ديسمبر/كانون الأول. حكمت عليها المحكمة بالسجن 9 أشهر، بما في ذلك 4 أشهر قضتها فعلا، ودفع غرامة قدرها 5 ألف شيكل (1,450 دولار أمريكي).

في هذا الوقت، وافقت عهد على الإقرار بأنها مذنبة، وقضاء 8 أشهر في السجن، بما في ذلك الأشهر الأربعة التي قضتها فعلا، ودفع نفس الغرامة. قالت ناريمان لـ هيومن رايتس ووتش إنها وافقت على هذا الاتفاق لتخفيف العقوبة لأنها واجهت السجن لعدة سنوات “بينما كل ما قمت به هو تصوير فيديو”.[187]

وافقت المحكمة على أن تدفع ناريمان مبلغ ألف شيكل إسرائيلي أخرى (280 دولار أمريكي) عوض قضاء شهر إضافي في السجن حتى يُطلَق سراحها هي وعهد في نفس اليوم. في 29 يوليو/تموز 2018، أفرجت القوات الإسرائيلية عنهما.

بعض منشورات ناريمان على فيسبوك كانت تعليقا إيجابيا عن الفلسطينيين الذين هاجموا الإسرائيليين بعنف. مع ذلك، لا يشكل هذا التعليق تحريضا على عنف وشيك. في جميع الأحوال، أسقطت النيابة العسكرية من لائحة الاتهام المنقحة تهم التحريض المبنية على منشورات على فيسبوك، وأبقت فقط على تلك الناجمة عن البث المباشر. يوضح سياق وصيغة البث المباشر أنه لا يرقى إلى تشكيل تحريض على العنف، وفي جميع الحالات لم تُحدِد التهم الكلمات على وجه الخصوص التي ترقى إلى التحريض.

علاء الريماوي، رام الله

في الصباح الباكر من يوم 30 يوليو/تموز 2018، اعتقل جنود إسرائيليون من منزله علاء الريماوي (40 عاما)، مدير قناة القدس التلفزيونية في الضفة الغربية، والتي تُعتبر مؤيدة لحماس. في الليلة نفسها، اعتقلت القوات الإسرائيلية ثلاثة صحفيين آخرين في قناة القدس، هم محمد علوان وقتيبة حمدان من منزليهما في رام الله، والمصوّر حسني إنجاص من قريته خربثا المصباح، غربي رام الله.[188] اعتقلوا أيضا صحفيَين آخريَن: محمد أنور منى، الذي يعمل مع وسيلة إعلام أخرى تُعتبر مؤيدة لحماس ويُدير أيضا محطة إذاعية محلية، ولمى خاطر، صحفية مستقلة.[189]

في وقت سابق من الشهر نفسه، يوم 8 يوليو/تموز، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عن منع قناة القدس، المُرَخّص لها في لندن ومقرها في بيروت، ولها مكاتب في تركيا والأردن وفرنسا، من العمل في إسرائيل رغم أنه لم يعلن قط عن أي حظر على عملياتها في الضفة الغربية. أعلن أن “قناة القدس هي الذراع الدعائية [بروباغندا] لحركة حماس، وتمثل منصة مركزية لتوزيع رسائل المنظمة الإرهابية”، وفقا لبيان وزارة الدفاع.[190]

تعمل القناة مع شركات إنتاج محلية، وتعتمد عليها أحيانا في الحصول على المحتوى، والمرافق، والاستوديوهات، وأطقم الكاميرات. قبل أقل من عام، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، داهم الجيش الإسرائيلي مكاتب إحدى هذه الشركات، “بال ميديا”، وأصدر أمرا بالإغلاق، وزعم أنها متوّرطة في “التحريض على الإرهاب” الذي قال عنه الجيش إنه “يؤدي مباشرة إلى هجمات إرهابية”.[191] في 8 يوليو/تموز 2018، أفاد مركز مدى أن السلطات الإسرائيلية استدعت العديد من أعضاء شركة إنتاج أخرى داخل إسرائيل لاستجوابهم وأمرتهم بإنهاء التعاون مع قناة القدس.[192] قال محامي شركة الإنتاج لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن الحظر الذي أعلنته وزارة الدفاع ينطبق فقط داخل إسرائيل ولن يمنعهم من البث في الضفة الغربية وقطاع غزة.[193] قال ناصر النوباني،  محامي الريماوي، لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش لم يعلن أو ينشر إخطارا علنيا على موقعه الإلكتروني بفرض حظر على عمل القناة في الضفة الغربية.[194]

قال الريماوي لـ هيومن رايتس ووتش إن أكثر من 20 جنديا داهموا منزله حوالي الساعة 3:00 صباحا في 30 يوليو/تموز 2018، بينما حاصر ما بين 30 و40 جنديا آخرين المبنى. فتّش الجنود منزله وصادروا سيارة عمله، وكاميرات، وأجهزة كمبيوتر، وبطاقته الصحفية. قال إن الجنود أحدثوا جلبة أخافت أطفاله الخمسة. عصب الجنود عينيه وقيّدوا يديه وأخذوه إلى الحجز.

نقل الجنود الإسرائيليون الريماوي إلى مركز عوفر للتحقيق بالقرب من رام الله، وبعد أن تركوه لمدة ست ساعات دون استجوابه، أخبر ضابط قدم نفسه على أنه من الشاباك، جهاز الأمن العام الإسرائيلي (أو شين بيت)، الريماوي بأنهم اعتقلوه بسبب عمله مع “قناة تقوم بالتحريض”. أحضر الضابط مئات الصور، بعضها جوي، للريماوي وهو يعمل في الميدان وقال له إنه يعمل مع وسيلة إعلام “محظورة”.[195]

قال الريماوي إن الضباط الإسرائيليين استجوبوه على مدى سبع جلسات، استغرق بعضها ست ساعات. بالإضافة إلى أسئلة حول الوضع القانوني لقناة القدس، حقق الضباط في الصلات المحتملة مع حماس، و”الجهاد الإسلامي”، وإيران. سألوه أيضا عن منشوراته على فيسبوك، وركزّوا تحديدا على استخدامه لكلمة “الشهداء” عند الإشارة إلى الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، وكلمة “اقتحام” عند الإشارة إلى الحوادث التي دخل خلالها الجيش الإسرائيلي إلى حرم المسجد الأقصى. ثم عرض عليه المحقق مقطعا إخباريا على قناة القدس عن أحمد جرار، المُتهم بإطلاق النار على مستوطن إسرائيلي والذي قتلته لاحقا القوات الإسرائيلية في فبراير/شباط 2018.[196] اتهم المحققون القناة بـ “تمجيد” و”مدح” جرار. قال الريماوي إنه اعترض، ونبّه إلى أن التقرير تضمن وجهة النظر الرسمية الإسرائيلية بإن جرار “إرهابي”. قال الريماوي إن جلستي استجوابه الأخيرتين ركّزتا على الانقسام بين فتح وحماس، والوضع السياسي في الضفة الغربية وغزة.

قال الريماوي، الذي أعلن عن دخوله في إضراب عن الطعام عند اعتقاله واستمر فيه لمدة 9 أيام، إنه مثُل في 2 أغسطس/آب مع زملائه أمام محكمة عوفر العسكرية، التي مددت اعتقالهم لمدة أسبوع.[197] تُشير وثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، إلى أن النيابة كانت تحقق في تهمة محتملة تتعلق بالتورط في “جمعية غير مشروعة” بموجب نظام الدفاع لعام 1945.[198] في 9 أغسطس/آب، أمرت المحكمة بالإفراج عن الريماوي وزملائه، لكن النيابة استأنفت وقضت محكمة استئناف عسكرية بتمديد فترة احتجاز الريماوي 7 أيام بينما أيدت إطلاق سراح زملائه.[199]

في 15 أغسطس/آب، أمر قاض بإطلاق سراح الريماوي بكفالة على أساس أنه “كان من المشكوك فيه أن تكون قناة القدس، التي يُديرها المدعى عليه، مرتبطة، كما يُزعم، بحركة حماس”، وأن الريماوي “لم يكن يعلم، في التاريخ المذكور، أن القناة قد صُنِّفت “جمعية غير مشروعة”.[200] استأنفت النيابة العسكرية القرار، بحسب الريماوي ووثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش.

في 20 أغسطس/آب، أمرت محكمة استئناف عسكرية بالإفراج عن الريماوي بكفالة 10 آلاف شيكل (2,800 دولار أمريكي)، وقالت إن “إعلان القناة جمعية غير مشروعة لم يُنشَر بشكل صحيح”، بينما شجعت على مزيد من “التدقيق” في تهمة الجمعية غير المشروعة. كما شَرَط القاضي على الإفراج عنه عدم “نشر أي محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي أو أي شبكة اتصال أخرى، بما في ذلك البث، والنشر، والتحرير، وإنشاء المحتوى المذكور أعلاه” لمدة شهرين، وحظر عليه مغادرة رام الله دون موافقة المحكمة، وألزمه بحضور جلسات المحكمة، وفقا لوثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش. قال الريماوي إن منع مغادرة رام الله استمر عاما. قال أيضا إن ضابطا حذّره من التحدث عن اعتقاله أو إعطاء أي مقابلات إعلامية أو بيانات حول هذا الموضوع”. أفرج الجيش الإسرائيلي عن الريماوي في تلك الليلة.[201]

قال الريماوي لـ هيومن رايتس ووتش إن الجنود الإسرائيليين دهموا منزله مرة أخرى في 31 ديسمبر/كانون الأول 2018، وصادروا حاسوبه المحمول، وثلاثة هواتف، ومبلغ مالي نقدي قدره 7 آلاف شيكل (1,960 دولار أمريكي).[202] في منتصف يناير/كانون الثاني 2019، أغلقت النيابة القضية ضد الريماوي دون توجيه تهم رسمية. قال إن الجيش الإسرائيلي أعاد إليه بعضا من معداته التي لحقت بها أضرار بالغة. وقال إنهم لم يُعيدوا له بعد 10 آلاف شيكل (2,800 دولار أمريكي) مبلغ الكفالة.[203]

اعتقال الريماوي ومصادرة معداته على أساس انتمائه إلى وسيلة إعلامية مؤيدة لحماس، دون تقديم دليل على أن خطابه يُشكل تحريضا على عنف وشيك، ينتهك حقه في حرية التجمع والتعبير، حتى لو أن محكمة عسكرية برأته في النهاية.

إذاعة “منبر الحرية”، الخليل

في 30 أغسطس/آب 2017، اقتحم الجيش الإسرائيلي مقر إذاعة “منبر الحرية”، التابعة لحركة فتح، في الخليل، وأصدر أمرا بإغلاقها لمدة 6 أشهر. مُستشهدا بالأمر العسكري رقم 1651 ونظام الدفاع لعام 1945، زعم أمر توقيف العمل، الذي راجعته هيومن رايتس ووتش، أن الإذاعة “نفذت عمليات وساهمت في التحريض على هجمات إرهابية تمس بالأمن”. نصَّ إشعار مُرفق بالأمر ومُؤرخ في 21 أغسطس/آب على أن الشركات يجب أن تمتنع عن “مد يد دعم للإرهاب”، لكن الأمر والإشعار لم يتضمنا أي تفاصيل عن المواد أو الأفعال التي تشكل تحريضا.[204]

قال أيمن القواسمي، رئيس مجلس إدارة الإذاعة، لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات لم تزود قط موظفي الإذاعة بمزيد من التفاصيل. قال إن القوات الإسرائيلية داهمت مقر الإذاعة 4 مرات سابقة، وألحقت في أغلب الأحيان أضرارا وصادرت معدات أو مبالغ مالية.[205] إغلاق الجيش للإذاعة في مناسبات متعددة على أساس مزاعم جزافية، دون أية إجراءات قضائية أو تقديم أدلة لإثبات المزاعم، ينتهك حقوق الموظفين في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.

قال القواسمي إن الجنود، خلال مداهمة 30 أغسطس/آب، دمروا الأثاث وأغراض أخرى، وصادروا معدات، بما في ذلك أجهزة إرسال، وكاميرات، وأجهزة كمبيوتر، وهواتف. قدّر القواسمي الأضرار المالية بما بين 400 ألف و500 ألف دولار أمريكي. أثناء مغادرتهم، أغلق الجنود باب الإذاعة لمنع الموظفين من الدخول.[206]

في اليوم التالي، ظهر القواسمي في شريط فيديو، راجعته هيومن رايتس ووتش، رفض فيه الاتهامات و”تحدى الاحتلال الإسرائيلي بالحضور وإثبات أين يوجد هذا الإرهاب، وهذا التحريض”.[207] انتقد كذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء آنذاك رامي الحمد الله، لتقاعسهما عن حماية الفلسطينيين في المناطق التي يسيطرون عليها، ودعاهما إلى الاستقالة. بعد عدة أيام، اعتقله “جهاز الأمن الوقائي” التابع للسلطة الفلسطينية في الخليل، واحتجزه 4 أيام، ثم اتهمه بالتسبب بـ “فتنة طائفية”.[208]

في 14 فبراير/شباط 2018، استأنفت الإذاعة عملها بعد انقضاء مدة أمر الإغلاق. مع ذلك، وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2019، لم يُعِد الجيش الإسرائيلي المُعدّات المُصادرة.[209]

التوصيات

العودة إلى الأعلى

إلى دولة إسرائيل

  • منح الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة حماية كاملة للحقوق المكفولة لجميع الناس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، باستخدام معيار الحقوق التي تمنحها للمواطنين الإسرائيليين، وكذلك الحماية التي يستحقونها بموجب القانون الإنساني الدولي.
  •  قبول تطبيق القانون والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الاستعراضات اللاحقة أمام هيئات الأمم المتحدة المنشأة بموجب معاهدات.
  •  إيداع ملاحظة مرفقة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تُوضح أنها تعتبر أن الاتفاقية تنطبق على أعمالها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إلى الدول والمنظمات الدولية

  •  مطالبة إسرائيل بأن تمنح الفلسطينيين الحماية الكاملة لجميع حقوقهم، باستخدام معيار الحقوق التي تمنحها للمواطنين الإسرائيليين، واستخدام القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني، كأساس أولي لتقييم سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
  • تسليط الضوء على أثر الأوامر العسكرية الإسرائيلية التقييدية على الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال إطار للحقوق المدنية.
  • التفكير في إدراج دعوات لحث إسرائيل على منح الفلسطينيين الحقوق المدنية نفسها التي تمنحها لمواطنيها، في منشوراتها وتقاريرها ومواقفها السياسية، وفي تقييم سلوك إسرائيل على هذا الأساس.

إلى الجيش الإسرائيلي

  • وقف اعتقال واحتجاز الأشخاص لممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير.
  • إلغاء الأوامر العسكرية رقم 101 و1651 والامتناع عن فرض أي لوائح جنائية جديدة ما لم يتم تعريف المخالفات بطريقة واضحة، وضيقة، ومحددة ومتسقة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
  • رصد، أو جمع، أو حفظ الخطاب على الإنترنت أو البحث عنه، فقط عند وجود أساس قانوني واضح ومحدد وعلني لمثل هذه الأنشطة، والتأكد من أن تتوفر للأفراد المعلومات الكافية عن هذه الأنشطة لطلب التعويض عن الانتهاكات. تقليص هذه الأنشطة إلى ما هو ضروري ومتناسب بدقة لتحقيق هدف مشروع.
  • تقديم معلومات حول المعايير التي تُستخدم لتحليل منشورات الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي والأنشطة الإلكترونية الأخرى.

إلى النيابة العسكرية الإسرائيلية

  • التوقف عن توجيه الاتهام للأشخاص بموجب نظام الدفاع لعام 1945؛ إذا كانت هناك أسباب للاشتباه في ارتكابهم جريمة معترف بها، ينبغي اتهامهم بموجب قوانين واضحة، وضيقة، ومحددة ومتسقة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

إلى الكنيست الإسرائيلي

  • سن تشريعات تُلزم هيئات إنفاذ القانون والاستخبارات بالإفصاح عن المعلومات المتعلقة باستخدامها لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك أنواع المعلومات التي تُجمَع بواسطة هذه الطرق، وكيفية تحليل هذه المعلومات لتحديد احتمال ارتكاب شخص للعنف، والضمانات المعمول بها (إن وجدت) لمنع أو تخفيف القرارات غير الدقيقة (مثلا، معلومات حول كيفية تأكد السلطات بتأكيد هذه القرارات).
  • سن تشريع يقيّد قدرة أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات على جمع وحفظ واستخراج بيانات حسابات شبكات التواصل الاجتماعي دون أمر قضائي أو بطريقة غير آمنة أو تمييزية.

إلى شركات وسائل التواصل الاجتماعي ومقدمي خدمات الإنترنت

  • التدقيق والكشف عن قدرة الحكومات على مراقبة المنصات وجمع الخطاب الإلكتروني للمستخدمين بشكل عشوائي أو بشكل يُحتمل أن ينتهك الحقوق. وإنشاء تدابير حماية وفقاً لذلك..
  • مراجعة طلبات الحكومات يتقييد محتوى المستخدم، بما في ذلك من السلطات الإسرائيلية والفلسطينية، للتأكد من امتثالها للقانون المحلي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، واتخاذ خطوات لمنع أو تخفيف أثر هذه الطلبات على ممارسة حرية التعبير والحق في الخصوصية.
  • السماح للأفراد الذين يواجهون خطر الانتقام بسبب تعبيرهم السلمي على وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام أسماء مستعارة على منصات هذه الشركات.

شكر وتنويه

العودة إلى الأعلى

أجرى أبحاث هذا التقرير وكتبه عمر شاكر، مدير مكتب هيومن رايتس ووتش في إسرائيل وفلسطين. قدّمت كل من زينة الطحان، مساعدة أبحاث في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعنان أبوشنب، مساعدة أبحاث سابقة في الضفة الغربية، وإميلي ماكس، مستشارة هيومن رايتس ووتش، وخلود بدوي، مستشارة هيومن رايتس ووتش لشؤون إسرائيل والقدس الشرقية، مساهمة في البحث والكتابة.

أشرفت ساري بشي، المديرة السابقة لبرنامج المناصرة الخاص بإسرائيل/فلسطين في هيومن رايتس ووتش، وسارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، على عملية إعداد التحليل القانوني الذي يقوم عليه التقرير. كان إريك غولدستين، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، المحرر الرئيسي للتقرير، وقدم كلايف بالدوين، مستشار قانوني أول في هيومن رايتس ووتش، المراجعة القانونية.

ساهم أيضا في تحرير التقرير كل من توم بورتيوس، نائب مدير البرنامج في هيومن رايتس ووتش، وبيل فان إسفلد، مدير مساعد في قسم حقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش، وعاموس توه، باحث أول في الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش، وسارة سانت فنسنت، باحثة سابقة ومرافعة في الأمن القومي والمراقبة وإنفاذ القانون المحلي في برنامج الولايات المتحدة في هيومن رايتس ووتش.

قدم ريمي آرثر، مساعدة معنيّة بالصور والمنشورات في هيومن رايتس ووتش، مساعدة في إعداد التقرير للنشر. ساعدت مايا جونستون في ترجمة وثائق المحاكم العسكرية إلى الإنغليزية، وتولّت مع شيرلي عيران ترجمة التقرير إلى العبرية. راجعت عبير المصري، مساعدة أبحاث في قطاع غزة، الترجمة العربية للتقرير.

أعدّت أماندا بيلي نص المواد المتعددة الوسائط المصاحبة للتقرير وتولى التصوير رائد خوري من شركة “توب شوت بروداكشن”. أشرف عمر الفتيحي وساكي إيشيكاوا، منتجي الملتيميديا في هيومن رايتس ووتش، على إنتاج المواد المتعددة الوسائط.

نودّ أن نشكر أيضا كلا من سحر فرنسيس، وغابي لاسكي، وأمنون براونفيلد ستين، وجوناثان بولاك، ومايكل سفارد، وكارن هيبلر، على مشورتهم القانونية ووقتهم.

لكن الشكر الأهم الذي نودّ تقديمه هو للرجال والنساء الذين كانوا محتجزين وشاركونا قصصهم بشجاعة.العودة إلى الأعلى

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *