حكواتي الزير سالم و حكواتي الوطنية

Arab League
بقلم منذر هنداوي

كم نحن وطنيون بكل جوارحنا، ولا نقبل بغير سورية الموحدة بما في ذلك عودة لواء اسكندرون والجولان المحتل!. لكننا في الواقع كيفما تحركنا  نساهم بالقطيعة وبث العداوة بين أفراد الوطن. 

كم نحن قوميون ولا نقبل أن تمس عروبتنا بشعرة!. ندعوا إلى مدّ الجسور بين الشعوب العربية، بل ونرفض تسميتها (شعوب) ونصر على (أننا) شعب عربي واحد، ونبحث في كل قصاصات التاريخ كي نثبت أننا شعب واحد، ودم واحد، من جدٍ واحد!. لكننا رغم ذلك كثيرا ما نقطع الجسور  مع من حولنا لأتفه الأسباب. 

أي وطنية هذه، وأي قومية و وحدة عربية كبرى نريد ونحن نفترق ونعادي بعضنا كأننا لسنا من (شعب واحد) بل من كواكب مختلفة. نحن لا نعرف كيف نتصافح مع أصدقاء الأمس الذين صاروا بقدرة قادر أعداء اليوم. ليتنا كنا نقبل بوحدة صغرى نتفاهم فيها مع من حولنا في الحي أو القرية التي نعيش فيها قبل أن نتنطح إلى لم شمل الدولة العربية العظمى التي ننشدها. 

الوطنية ليست نشيدا وطنيا، و لا شعارات نرددها بحماس. الوطنية ليست حكاية يحكيها حكواتي بانفعال شديد كما كان يحكي عن بطولات الزير سالم. والشعب ليس رواد مقهى يتفاعلون مع الحكواتي وينقسمون إلى أنصار الزير، وأنصار جساس عندما كانوا لا يعرفون قراءة سطر مما يقص عليهم الحكواتي. نحن في القرن ٢١، في عصر النت وسهولة التعرف على الحقائق، لكن أساطير الحكواتي ما تزال تتلبسنا و نتصورها حقائق. واقعنا يتغير بسرعة و يطرح علينا أسئلة ومعضلات تحتاج إلى حلول. لكن عوضاً عن مواجهة مشاكلنا ننتقل إلى تصفية حسابات لا نهاية لها مع كل من اختلفنا معهم، واختلف معهم أجدادنا عبر العصور. 

تفتح صفحات الفيسبوك فتجد الانقسامات حول جمال عبد الناصر . هذا يمجده وكأنه إله، و ذاك يخونه وكأنه شيطان رجيم. انقسامات، بل مذابح حول أشخاص رحلوا قبل عشرات أو مئات السنين. وأقسم أنه لو عاد عبد الناصر من جديد، وكل من ننقسم حولهم منذ ظهور الإسلام حتى عصرنا لقالوا لنا: اخجلوا من أنفسكم، توقفوا عن القتال حولنا، نحن بشر مثلكم، نحن حاولنا ونجحنا في أشياء و فشلنا في أشياء، تجنبوا ما وقعنا فيه من أخطاء، تعلموا كيف تتفاهمون فيما بينكم وكيف تحلون خلافاتكم بالحوار وليس بالسيف والنار. 

التاريخ ليس حكاية يرويها الحكواتي. التاريخ علم كبير. إنه العلم الذي قيل فيه: “لا علم إلا علم التاريخ”. التاريخ ليس سرد بطولات فردية لمن جعلناهم أبطالنا. التاريخ فهم لكل الظروف التي أدت لما حصل. لدينا كثير من التاريخ كي نراجع، لكن هل لدينا علم التاريخ، وهل لدينا علماء تاريخ نصغي لهم كي نفهم منهم تاريخنا القديم والحديث؟! أم أننا لا نحتاج أحداً كي يعلمنا تاريخنا؟!. فنحن نعرف أفضل من أي مؤرخ؟! وما شاء الله علينا!

ربما نعرف آلاف الحكايا المتضاربة عن تاريخنا وتاريخ العالم كله. لكننا بعيدون جدا عن ما يقوله علم التاريخ. ربما لدينا أكثر من مليون حكواتي يحكون ما تيسر من أساطير حوّل أبطالنا التاريخيين، وحول الخونة والشياطين الذين لطخوا ذلك التاريخ، ولكن كم عالم تاريخ لدينا؟!

الوطنية ليست تعلقاً بأبطال قوميين نمجدهم حتى العبادة. الوطنية قبل كل شيء هي العمل على تطوير علاقات جيدة بين الناس على أرض الواقع. الوطنية قدرة على التعاطف الفعلي، وليس بالخيال، بين الناس. الوطنية ليس فيها نزعات استكبار على الآخرين أو استصغار لهم. الوطنية احترام بعضنا رغم خلافاتنا في الرأي و اختلافاتنا في الدين و الطائفة والمنطقة التي نعيشها. الوطني الحقيقي هو القادر على الاستماع إلى وجهة نظر الطرف الآخر، لا تسفيهه و لا تخوينه ولا التمادي في السخرية منه غيبة ونميمة عند أدنى خلاف. 

الاختلاف سنة الكون. ما أدق هذا القول: لا توجد حبة رمل متطابقة تماما مع حبة رمل أخرى. الاختلاف من طبيعة البشر، ومن طبيعة هذا الكون. أبرز ما يميز  البشر  هو قدرتهم على اكتشاف التماثلات فيما بينهم رغم اختلافاتهم و البناء على ما يوحدهم. العيب ليس في الظهور المتجدد للخلافات في الآراء، بل بتحويل الاختلافات إلى نزاع و حرب وعداوة بين أبناء الوطن أو بين أصدقاء الأمس. تحويل الاختلاف إلى عداوة هو انتكاس عن كل ما تعنيه الوطنية والقومية. إنه انتكاس عن المعنى الحقيقي لإنسانية الإنسان التي في جوهرها تعني التفهم والتفاهم وحلّ الخلافات بالحوار وليس بالمقاطعة و التجاهل او المناطحة.    

من يدعي الوطنية ويريد أن يساهم في بناء الوطن الكبير عليه قبل كل شيء التخلي عن نزعات استعداء الآخرين دون مبرر، والتوقف عن نثر بذور الشقاق بين الناس وبين الأصدقاء. عليه تعلم الإصغاء للرأي الآخر، والعمل على فهم ذلك الرأي برحابة صدر دون تجاهل، ودون نصب أفخاخ، ودون تلاعب بالكلمات بهدف كسر الآخر بأي ثمن. الوطنية حب ناس الوطن. الوطنية تقريب ناس الوطن من بعضهم، لا المساهمة في تعميق الكراهية فيما بينهم. 

Related

القبول بالآخر مفتاح الديموقراطية

In “QuickPress”

العيب فينا (The defect is in us)

In “QuickPress”

(From hatred to empathy) من الكراهية إلى التعاطف

In “QuickPress”

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *