بقلم منذر هنداوي
الغرب لا يختصر لا بأسوأ قادة حكموا فيه ولا حتى بأفضل قياداته. إنه لا يختصر ب دونالد ترامب وبوريس جونسون أو هتلر. كذلك لا يختصر الغرب حتى بأعظم قياداته السياسيين أمثال تشرشل وديغول وأنجيلا ميركل.
الغرب هو أولاً مبادئ حقوق الإنسان التي يتطلع لها معظم العالم. وهو ثانيا بيت الحرية والديمقراطية التي باتت محور الاهتمام الأكبر في الفكر السياسي المعاصر ومصدر إلهام الشعوب. وثالثا الغرب هو الفكر الذي بدأ بالتطور منذ عصر الأنوار واستمر حتى الآن يشع نورا و تطويرا للعلوم بكل فروعها وتطوير الصناعة والنهوض بمستوى البشر عدة مرات عما كانت عليه البشرية قبل عدة قرون.
هذا هو الغرب قبل شيء، ولروسيا حصة في ارث هذا الغرب. لكن! ألا يوجد عنصريون و ظلاميون وأشرار في الغرب. بالتأكيد يوجد الكثير من هؤلاء في الغرب. المهم أن الغرب لا يخفي ولا يتستر عليهم ولا على فكرهم. بل هناك في الغرب دوما من يبين كل عيوبهم. و يبقى السؤال الأهم كم هو حجم هذه المساوئ في الغرب. كم مثلا حجم عنصرية الغرب وهل هي أكبر من العنصرية في بلادنا؟
أليس بيننا عنصريون يتفوقون في عنصريتهم على ما هو موجود بالغرب؟. كم منا قال عن أوباما أنه عبد اسود لمجرد أن أوباما لم يفعل ما تصورنا أن عليه أن يفعل؟! كيف كانت عنصرية كثير من اللبنانيين تجاه اللاجئين السوريين؟ كم لدينا من مخزون عنصري بين أبناء الطوائف تجاه بعضهم في الدين الواحد؟ هل لمثل العنصرية الطائفية في بلادنا نظير في الغرب؟! نعم هناك بعض منها كما هو الحال في شمال ايرلندا مثلا، لكن هل هي بحجم ما هو موجود في بلادنا!؟.
من حقنا جميعا نقد العنصرية عندما نراها بالغرب. عندما ننتقد تلك العنصرية فإن الساهرين على القيم الديمقراطية سيعتبرون أن نقدنا هدية لهم تساعدهم كي يعملوا على معالجتها. في هذه الحرب عدة مراسلين صغار قارنوا بشيء من العنصرية بين اللاجئين الاوكران واللاجئين من سوريا وأفغانستان. وصل هذا الأمر إلى عدة وكالات اخبارية غربية، وصار موضوع نقاش عام. النتيجة كانت اعتذار مراسل سي بي اس عن قوله أن أوكرانيا أوروبية متقدمة نسبيا، وليس مثل العراق وأفغانستان. والنتيجة كانت تنبيه الناس كي يتفحصوا مفرداتهم ولا يقعوا بالعنصرية.
لكن بالنسبة لنا فهذا ليس كافيا. فقد تم نشر هذه التعليقات على أوسع نطاق في وسائل التواصل الاجتماعي لهدف واحد هو: إثبات “عقدة التفوق الأوروبي، و العنصرية الغربية، والتاريخ العنصري لأوروبا الذي تحاول إخفاءه” حسب ما ورد في إحدى الفيديوهات الواسعة الانتشار. لكن هل حقا هذه التعليقات تظهر عنصرية الغرب؟ هل نكتشف حقيقة الغرب العنصرية من مثل هذه التعليقات؟ أم من خلال الطريقة التي استقبلت بها ألمانيا وكندا ملايين اللاجئين السوريين و العراقيين و الأفغان؟ أم هل نكتشف العنصرية من الطريقة التي تعاملت بها دول الغرب مع اللاجئين السوريين مقارنة مع الطريقة التي تعاملت بها معظم الدول العربية مع اخوانهم من سورية؟.
من حقنا أن ننتقد الغرب، و ان نكتشف كم لديه من ازدواجية المعايير. لكن عار علينا أن نعمم كلام صحفي أو زعيم سياسي أبله ونصور كلامه معبرا عن روح وجوهر الغرب. نفس الأمر يجب أن يقال عن روسيا. يمكنك انتقاد بوتين لكن أبداً لا يمكنك اختصار روسيا ولا تاريخها ب بوتين. وهذا ينطبق على كل بلاد العالم. لا يمكن لرئيس أن يمثل روح أو جوهر الشعب الفرنسي او الهندي أو المصري.
النقد ضروري جدا. لكن النقد دائما هو نقد محدد. إنه نقد لشخص معين، أو لفكرة محددة، او نقد تيار سياسي محدد. ما نراه غير هذا من نقد عمومي حول عنصرية الغرب وازدواجية المعايير فيه غالبا لا يخرج عن كونه مجرد دعاية ساذجة وتجييش رخيص ولا يختلف في قيمته عن التفنن في صياغة الشتائم.
Related
العيب فينا (The defect is in us)
بوتين قرر الحرب ولم يستدرج لها
هل ما يحصل في سورية عقلاني أم جنون؟
In “QuickPress”