دروس وعبر من استشهاد جرادات

Posted by: Siba Bizri
Arabic Shoah  Editor in Chief

 


خالد معالي

تجمع القوى والفصائل الفلسطينية المختلفة على حساسية قضية الأسرى، كما لم تجمع على قضية أخرى؛ ومن هنا تعتبر حادثة استشهاد الأسير عرفات جرادات تحت التعذيب وفي ظروف استثنائية؛ ذات دلالات مهمة، ولا بد من استقصاء الدروس والعبر منها وعدم الاكتفاء بالمتعارف عليه.

أكدت ردة الفعل العادية من قبل الأمواج البشرية الهادرة التي شاركت في تشييع جنازة الشهيد؛ أن مختلف أطياف الشعب الفلسطيني يوحدها بشكل تلقائي وعفوي مواجهة المحتل، فتعانق رايات فتح وحماس في عرس الشهادة والكرامة والشهامة والتضحية؛ هو الأمر الطبيعي والعادي في ظل وجود احتلال يستهدف الجميع دون استثناء؛ وان ما يفرقه دخيل عليه بفعل عوامل خارجية ضاغطة بات الكل يعرفها.

يريد الاحتلال أن يخضع له الشعب الفلسطيني، ولا يصرخ ولا يحتج، ويكون كالنعاج تساق للذبح؛ بفعل تهويد القدس والضفة، والقتل البطيء للأسرى وغيره الكثير. انتفاضة ثالثة – الآن أو غدا- هي نتيجة حتمية لما يقوم به الاحتلال.

إجماع الكل الفلسطيني على استنكار قتل الأسير جرادات تحت التعذيب الشديد، ومن ثم الخروج بمسيرات حاشدة والاشتباك مع جنود الاحتلال، يقود إلى الاستنتاج بان مقارعة المحتل مطلب الجميع، ولا يجوز التوقف عند محطة معينة بعينها، والقول “كفى الله المؤمنين القتال “؛ بل أيضا يجب تطوير الأساليب والأدوات.

أكدت حادثة الاستشهاد على أهمية وسرعة توحيد الأجندة الوطنية في قضية الأسرى المقلقة وذات الأهمية الكبرى؛ لتنسحب لاحقا على بقية القضايا المصيرية، فالزمن لا يرحم الضعفاء، ولا من لا يقدر على توحيد قوى شعبه، والتاريخ يسجل.

خشية الاحتلال من انتفاضة للأسرى، وتمرد الشعب الفلسطيني على تعذيبه وإذلال جنود الاحتلال له؛ تنبع من كون الظالم والسارق يخشى دائما من أي تحرك يقود لعودة الحق لأصحابه، وما سرقه خلسة في لحظة زمن غابرة، بقوة البطش والإرهاب، ولم يحصل في التاريخ أن تحرر شعب من محتليه دون تقديم تضحيات كبيرة، وان نألم فأنهم يألمون أيضا؛ على أن يخطط بشكل علمي دقيق كل خطوة مستقبلية؛ فالاحتلال لديه قدرات لا يجوز الاستهانة بها أو التقليل من شأنها.

مرة تلو مرة تكذب دولة الاحتلال كما تتنفس، فهي أعلنت أن نوبة قلبية أدت لوفاة جرادات؛ ليتبين لاحقا أن التعذيب الشديد هو السبب، ليصل عدد الأسرى الذين جرى قتلهم في أقبية التحقيق والسجون إلى 203 أسير.

ليس الأمن بالبطش هو من يحقق الهدوء والطمأنينة؛ بل العدالة؛ وكلما اخترقت العدالة ودنست ثار الأفراد والشعوب، ولا عبرة لقصر أو طول الفترة؛ وهو ما ينطبق على حادثة قتل الشهيد جرادات؛ فالاحتلال يجرم بحق الشعب الفلسطيني لتحقيق أمنه؛ ويزعم كاذبا أنه واحة الديمقراطية والسلام والحضارة وحقوق الانسان…؛ ولكن النتيجة عكس ذلك فلا الآمن تحقق، ولا السلام، ولا الحضارة، في ظل عدم وجود العدالة وإرجاع الحقوق لأصحابها.

الأحداث تدفع بعضها بعضا؛ كسنة كونية وجدلية تاريخية. فقتل الأسرى، وسرقة أعمارهم الوردية، وإذلال لقمة الخبز والحواجز، ونهب الأراضي وسرقتها، وتهويد القدس والضفة، ومواصلة بناء الجدار…؛ كل ذلك يدفع باتجاه انتفاضة ثالثة، فالغريق لا يخشى البلل، كون الشعب الفلسطيني له طاقة محدودة في التحمل والصبر، وان نفذت كان الرد الطبيعي، فلكل فعل رد فعل، وها هي قد بانت إماراته.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *