المعارضة و الثورة

By: Maan Saleh


المعارضة الوطنية الحقيقية هي المعارضة التي تعمل على حصار السلطة و إظهار ممارساتها بشكل مسؤول و ليس بهدف تقويضها ، و إدارة معركتها مع السلطة تكون على قاعدة الاختلاف الدائم معها و ليس العداء الدائم لها ، و الديمومة هنا لا تعني رفض وجود توافقات بين المعارضة و السلطة ، بل تعني ضرورة وجود مسافة تحول دون التماهي بين المعارضة و السلطة .
إن تقويض السلطة في بعض المجتمعات التي تمتلك خصوصيات في تركيبتها و بنيتها وخاصة ما يتعلق بتدني مستويات الوعي و بالتنوع الطائفي و الإثني تكون مخاطرها أكبر بكثير من فوائدها لأنها تكون مفتوحة على الفوضى و خاصة في ظل الأنظمة الشمولية و الأمنية .
إن الوعي و المسؤولية التي يجب أن تتحلى بهما المعارضة الوطنية هما صمام الأمان لعملية التغيير الهادئ و الواعي و الطويل الأمد ، و عندما تقع المعارضة في مصيدة العداء للسلطة ( و هو الفخ الذي تنصبه السلطة للمعارضة عادة ) و إن كان تحت عناوين ثورية براقة هو دليل على عدم النضوج الفكري لهذه المعارضة ، و دليل على لهاثها و استعجالها للوصول الى السلطة بأي ثمن من الأثمان ، و في هذه الحالة تمثل الوجه الآخر للسلطة التي تعمل على تقويضها .
الحلم الثوري يمكن له أن يلعب دوراً مزدوجاً متناقضاً في نتائجه ، في طرفه الأول يلعب دور الحافز الى التغيير ، و في طرفه الآخر يشكل حافزاً الى التدمير ، و الموازنة بين الحافزين هو دور النخب الطليعية ، و في حال غياب هذه النخب تكون الساحة مفتوحة على مصراعيها لفوضى التدمير ، و تتحول القوى الثورية الى عالة و عثرة حقيقية في وجه التغيير ، و تتحول الى قوى مندفعة تتحكم بها الأحقاد و الغرائز القطيعية . و تنحرف عن الهدف الحقيقي الذي كانت تسعى لتحقيقه لتتوزع الى مجموعات لا تجيد سوى التدمير المادي او المعنوي أو كليهما ، و تقع فريسة بين يدي أصحاب المصالح و الطموحات السياسية .
إن المعارضة في جوهرها فعل ” بناء و تغيير ” كمتلازمة لا يمكن فك عراها تحت أي عنوان إن كان عقائدياً او ايديولوجياً ، و الثورة التي تضل عن هذا الطريق تفقد مشروعيتها و تفقد شرف التسمية .
في نظري إن المعارضة دائماً تتحمل المسؤولية الأخلاقية بشكل أكبر من الانظمة أو السلطات التي تعارضها وظيفتها تفرض أن تقدم النموذج الأمثل ، و في حال انتفاء هذه المسؤولية الأخلاقية تنتفي حجة و أسباب وجودها . و المعارضات التي تلقي المسؤوليات الأخلاقية على الأنظمة لتتبرأ من مسؤولياتها تكون أسوأ من تلك الأنظمة .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *