الفن خلف قضبان التكفير

عبد الرحمن سلام – الكفاح العربي

لم ينتظر الاسلاميون في مصر طويلاً لبسط سلطتهم على البلاد وإحكام انقلابهم على مفاهيم الثورة التي ركبوا أمواجها لاحتلال أكثرية مقاعد مجلس الشعب. فبين مطالبة ضباط وعناصر الشرطة بإرخاء لحاهم تماشياً مع الاسلام، ومطالبة تكتل السلفيين بحجب المواقع الاباحية على شبكة الانترنت، وقع الصدام الأقوى على الساحة الفنية بعد تجريم النجم عادل إمام على أعماله الفنية الساخرة من التطرف الاسلامي.

قضت محكمة جنح الهرم المصرية غيابيا، بسجن الفنان عادل امام 3 أشهر، وبتغريمه ألف جنيه، بتهمة “ازدراء الدين الاسلامي في أعماله الفنية، والسخرية من الجلباب واللحية”.
وجاء في نص الحكم: “ان عادل امام قدم اعمالا فنية، سخر خلالها من الدين الحنيف”.
وكان المدعي، واسمه “عسران منصور” قد استشهد في دعواه بمسرحية “الزعيم” وفيلم “الارهاب والكباب” وبأعمال فنية اخرى، وقال ان “الممثل عادل امام استخف فيها بالاسلام وسفه تعاليمه”!
ولأن الدعوى والحكم يطالان نجما كبيرا على المستويين المصري والعربي في عالم السينما والمسرح والتلفزيون، كان من البديهي، بل من الطبيعي، أن ينتشر نبأ هذه القضية، وتفاصيلها، كانتشار النار في الهشيم، وأن تتناول بالتالي مختلف وسائل الاعلام في كل الوطن العربي، التفاصيل:
والسؤال الذي فرض نفسه في هذه القضية، هو ان كانت هذه الدعوى، بكل مفرداتها وأدواتها والحكم الصادر فيها، هي مجرد “قضية قانونية” ام هي عنوانا لنهج جديد يحاول تأطير الابداع، مقدمة لتدجينه، وبما يتماشى وتوجهات النظام الذي بدأ يتحكم بالسلطة في مصر؟
قبل الدخول في تفاصيل خلفيات هذه القضية، وأبعادها، نشير الى ان النجم عادل امام سارع الى استئناف الحكم الغيابي، مفجرا مفاجأة كبيرة، حيث اعلن انه لم تكن لديه اي دراية او خلفية بالدعوى، ولم يصله اي انذار من جانب المحكمة بوجود قضية ضده في المحاكم المصرية، وأنه فوجئ بالحكم الغيابي الصادر ضده، وأنه، فور تبلغه النبأ من وسائل الاعلام، أوكل لمحاميه الخاص تقديم طلب استئناف، وأن القانون يمنحه مهلة شهر في هذا المجال، يتم خلاله وقف تنفيذ الحكم لحين النظر في طلب الاستئناف.
وأنهى الفنان عادل امام مستغربا، ليس الدعوى وحسب، وإنما “الحكم الغيابي”، متسائلا ان كان القضاء المصري لا يعلم حقيقة وفعليا مكان اقامته حتى يحاكمه غيابيا، خصوصا وان التبليغ كان يمكن ان يتم عبر مقر سكنه العائلي، وهو معلوم للجميع، او من خلال النقابة التي ينتمي اليها، وهي ايضا اشهر من نار على علم، او حتى لصقا على باب المحكمة، مضيفا ان طريقة التبليغ الاخيرة، وان كانت “اضعف الايمان”، كان سيتبلغها بالتأكيد من خلال وسائل الاعلام التي ستسارع الى نشرها.
وختم عادل امام بالقول ان محاكمته غيابيا بحجة “عدم امكان تبليغه” ينطبق عليها المثل القائل: “ان كانت المحكمة تدري بمقر اقامتي ورغم ذلك اصدرت بحقي حكما غيابيا، فهذه مصيبة. أما اذا كانت لا تدري، فلا شك في أن المصيبة اعظم”؟
ومع اعلان الفنان عادل امام استئنافه للحكم الغيابي، انهالت ردود الافعال على هذه القضية الغريبة من نوعها وفي توقيتها، وأولى ردود الفعل كانت مسارعة نقيب السينمائيين في مصر مسعد فودة الى الاعلان، خلال اجتماع طارئ دعت اليه النقابة في مقرها وحضره ممثلون كثر عن وسائل اعلامية متنوعة، بأن “النقابة متضامنة تماما مع الفنان عادل امام، وترفض المساس بحرية الابداع تحت اي مسمى او حجة، وان البيان الذي صدر عنها يؤكد موقفها الرافض محاكمة الفنانين بسبب اعمالهم الفنية، وان مجلس النقابة تدارس موضوع الدفاع عن حرية الابداع، وستكون له وقفة صارمة تضامنية ومؤيدة لكل المبدعين، ورافضة لمثل تلك الدعاوي”.
بدوره، اعلن نقيب الممثلين المصريين الفنان اشرف عبد الغفور، في بيان تداولته كافة وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في مصر، ان “الفنان عادل امام بريء من تهمة الاساءة للدين الاسلامي في كل اعماله الفنية، وان نقابة الممثلين المصريين كلفت مستشارها القانوني لاتخاذ كل الاجراءات القانونية لدحض هذه الافتراءات، خصوصا وان الدعوى لا تتعلق فقط بالفنان عادل امام، وإنما هي تطاول 3 آخرين من اعضاء النقابة هم من ابرز المبدعين: المؤلف المسرحي لينين الرملي والكاتب وحيد حامد والمخرج شريف عرفة”.
وشدد نقيب الممثلين المصريين، على ان هذه الدعوى “تطاول الابداع والمبدعين” من دون ان ينسى الكشف عن حادثة “مستغربة تزامنت مع صدور الحكم الغيابي بحق الفنان عادل امام” والتي تعرّض خلالها فريق عمل مسلسل “ذات” التلفزيوني، داخل حرم “جامعة عين شمس” في القاهرة، للاضطهاد، على ايدي مجموعة طلابية تنتمي الى تنظيم جماعة الاخوان المسلمين، عمدت الى تعنيف نجمة المسلسل الممثلة نيللي كريم وطردها من موقع التصوير داخل حرم الجامعة، وهددت بقية فريق العمل بالاعتداء وتحطيم المعدات ان لم يوقف التصوير ويغادر المكان، وحجتهم في ذلك “الفساتين القصيرة” التي ترتديها “الممثلات ـ الكومبارس”، وهي الازياء التي كانت سائدة في المرحلة الزمنية التي تدور فيها احداث المسلسل (في العام 1972).
وختم نقيب الممثلين في مصر اشرف عبد الغفور، بأن مثل هذه الممارسات من قبل بعض الجماعات، لن تكون عائقا امام حرية الابداع وعمل المبدعين في مصر، مهما تقلبت الظروف او تغيرت.
وبالعودة الى واقعة طرد الممثلة نيللي كريم ومنع تصوير مسلسل “ذات”، والتي كشف عنها نقيب الممثلين في مصر، وهي الواقعة التي وصفها الاعلام في مصر بـ”حادثة غاية في الغرابة”، وتخفي خلفها الكثير من الشكوك من الاشكاليات التي تهدد الابداع في مصر”، ردت الممثلة نيللي كريم تفاصيل ما حدث معها، فقدمت بداية لمحة عن المسلسل وبأنه ينتمي دراميا الى “التاريخي ـ الاجتماعي المعاصر” ويترصد تاريخ مصر الحديث، منذ العام 1960 مرورا بكل حقبة الستينيات من القرن المنصرم، وان قصته مأخوذة عن رواية بالاسم نفسه “ذات” للكاتب الشهير صنع الله ابراهيم.
وأضافت نيللي كريم، بحسب ما ذكرت في حوار لها مع صحيفة “الشروق” القاهرية: ومن خلال الاستعداد لتصوير مشهد يجسد استعداد الحركة الطلابية للتظاهر انطلاقا من “جامعة عين شمس” في اتجاه ميدان التحرير، اعتراضا على سياسة الرئيس (يومذاك) انور السادات وعدم اعلانه الحرب على اسرائيل، (تظاهرة حدثت في العام 1972)، تفاجأ فريق العمل باعتراض مجموعة من الطلاب ينتمون ـ كما علمنا ـ لجماعة الاخوان المسلمين، ومطالبتهم بخروجي شخصيا من حرم الجامعة، وأيضا بوقف التصوير نهائيا، بحجة انني، ومعي الممثلات ـ الكومبارس المشاركات في التظاهرة، نرتدي “الفساتين القصيرة”؟! رغم كل محاولات الاقناع التي قامت بها المخرجة كاملة ابو ذكرى، إلا أن المعترضين اصروا على اخراجي من حرم الجامعة ووقف التصوير، مهددين بتحطيم الكاميرات، ما دفع بعميد كلية الهندسة بالجامعة الدكتور محمد الحسيني، ووكيلها شري حماد، الى التدخل، والطلب مني شخصيا مغادرة الموقع، ومن فريق العمل جمع المعدات ووقف التصوير و… المغادرة (!!) منعا لصدام قد يحصل، وتخوفا من دماء قد تسيل؟!
الممثل الشاب عمر السعيد، وهو من المشاركين في المسلسل، وكان شاهدا على مجريات الواقعة، أكد امام مجلس نقابة الممثلين، خلال الادلاء بأقواله، بأن اعتراض الطلاب وتحركهم الاعتراضي، لم يكن تلقائيا ولا عفويا، وأنه شاهد احد مسؤوليهم يهاتف مكتب الارشاد التابع للجماعة، وان التحرك لمنع التصوير وللتعرض للممثلة نيللي كريم، بدأ فور انتهاء المكالمة الهاتفية؟!
وكان قد سبق حادثتي “الحكم الغيابي” والتعرض لفريق عمل مسلسل “ذات” التلفزيوني، اكثر من “رسالة موجهة”، وأبرزها ربما، انسحاب الممثل محمود ياسين (المعروف بالتزامه الديني والمهني) ومعه الممثلة نبيلة عبيد، من لقاء مع ممثلين عن جماعة الاخوان المسلمين، بسبب ما وصف بأنه مراوغة من قبل “الاخوان” في تقديم مواقف محددة من خطبتهم في التعامل مع الفن والابداع والحريات، في المرحلة المقبلة.
وكانت مجلة “الكواكب” القاهرية الفنية الاسبوعية قد دعت النجمين المعروفين ومجموعة تمثل جماعة الاخوان المسلمين، الى ندوة تناقش “مستقبل الابداع في السينما، في ظل برلمان اسلامي”. وخلال المناقشات الساخنة بين الطرفين، اعلن النجمان الانسحاب، ورفضهما استكمال اللقاء، منتقدين عدم طرح الطرف الآخر مواقفه، ومعلنين “ان ممثلي الجماعة تعمدوا عدم الدخول في مناقشات جادة تتضح فيها آراءهم ووجهة نظرهم في الموضوع المطروح”!؟
الفنان محمود ياسين، ابدى استياءه الشديد من “تحفظ” جماعة الاخوان خلال اللقاء، مشيرا الى ان الفن المصري تراجع على مدار السنوات الطويلة الماضية، ما يحتم علينا كفنانين ومبدعين، المطالبة بإشراف ودعم الدولة، وتساءل: لكن بأي عقلية سيتم مثل هذا الامر، في ظل تسلم الاسلاميين مقاليد الحكم؟
اما الممثلة نبيلة عبيد، وفور انفضاض اللقاء، اعلنت ان الفنانين المصريين مع الفن الهادف، وان الخلاف مع الجماعات الاسلامية يشمل كثيرا من المفاهيم التي يجب على الطرف الآخر توضيحها، وان الندوة (غير المستكملة) كشفت ان مستقبل الحركة الفنية في مصر مجهول المصير في حال تسلم الاسلاميين الحكم في مصر.
النجم العربي ـ العالمي عمر الشريف، وفي مجال ابداء استيائه من كل ما يحدث على الساحة الفنية ويطاول اهل الفن والابداع، ابدى ـ بحسب (MBC net) خشيته على الفنانات المصريات “من الجلد” في حال تطبيق دستور جديد يتم العمل عليه الآن، وقد يتخذ الشريعة الاسلامية منهجاً له، حيث ذكر انه في حال اضافة جملة “بشرط ألا يتعارض الفن مع الشريعة الاسلامية”، فإن ذلك سيؤثر بالتأكيد على حرية الابداع!؟
وأضاف عمر الشريف: ان هذه العبارة “المطاطة” تجعلني غير مطمئن على حال ومستقبل الفن في مصر، وربما يتحول بين ليلة وضحاها الى فن شبيه بما يقدم في ايران حيث تم جلد ممثلة لمجرد انها كشفت عن شعرها اثناء التصوير؟!
وبالعودة الى موضوع الحكم الغيابي الصادر بحق عادل امام، فقد أكد محامي الممثل، المستشار صفوت حسين، ان الحكم القاضي بحبس موكله 3 أشهر وبتغريمه كفالة ألف جنيه، بتهمة “ازدراء الاسلام والسخرية من الزي الاسلامي”، هو “حكم بلا قيمة” و”من السهل جدا نقضه لكونه حكما غيابيا”، لافتا الى ان الحكم المذكور يعتبر “ادانة لذات فنية ليس موكله صانعها”، وان الاعمال التي استند اليها المدعي في دعواه، مرت على الجهاز الرقابي التابع لوزارة الثقافة المصرية، وأجازها الرقيب، وتم عرضها، سواء على المسرح او في صالات العرض السينمائي، على مدى اشهر طويلة، ومن دون اي اعتراض من اي جهة، وبالتالي، يصبح من حق موكلي الفنان عادل امام معارضة الحكم، هذا اضافة الى انه لم يتلق نبأ الدعوى إلا بعد النطق بالحكم فيها، وانه علم بها وصله، مثله مثل عامة الناس، من خلال وسائل الاعلام، ما يدل على ان مقيم الدعوى يبحث عن شهرة لا يملكها وعن اضواء غائبة عنه؟!
وفي هذا المجال، لا بد من الاضاءة على حال القلق الشديد الذي سيطر على الوسط الفني، على اثر حكم الحبس الجائر، لكن الامر تفاقم بسبب المخاوف على مستقبل حرية الابداع والمبدعين في مصر، وقد أعرب عن هذه المخاوف المخرج داود عبد السيد، فعبر اولا عن صدمته ازاء الحكم الذي “استنزل” على الفنان عادل امام، مضيفا انه بات يخشى “ان يكون الحكم المذكور بداية او مقدمة لهجمة شرسة على الفن والابداع في مصر”، في ظل تصاعد ونمو التيارات السياسية ذات الخلفية الدينية، والتي علا صوتها في الفترة الاخيرة، وكثرت تصريحاتها ضد الابداع بصوره المختلفة، مستشهدا بقيام احد اقطاب السلفيين بالاساءة الى “أديب نوبل” نجيب محفوظ (في اشارة الى هجوم الداعية السلفي الشيخ عبد المنعم الشحات على روايات الاديب الراحل، خصوصا على روايته “اولاد حارتنا”)، ما يؤكد، وفق كلام داود عبد السيد، ان المبدعين بحاجة الى التوحد في مواجهة الهجمات الحالية او التي ستستجد ضدهم، معربا في نهاية الامر عن تضامنه الكامل مع الفنان عادل امام، وعن قناعته بأن “حكم السجن” لم يستهدف الممثل فقط، وإنما هو بمثابة تكميم لأفواه المبدعين، ومتسائلا: هل هذا هو المقصود؟
ويبدو ان دعوة المخرج داود عبد السيد الى توحد المبدعين للمواجهة، وجدت الصدى المطلوب، فقد اعلن فنانون مصريون عن تشكيل جبهة للدفاع عن الابداع والفن والفنانين، بمواجهة التيارات التي فازت بالاغلبية البرلمانية في انتخابات مجلس الشعب الاخيرة، قوامها كل من: محمود ياسين، يسرا، حسين فهمي، خالد صالح، داود عبد السيد، محمود حميدة، محفوظ عبد الرحمن، صلاح السعدني، خالد يوسف، محمد العدل، سامي العدل، الأديب بهاء طاهر، الشاعر جمال بخيت، المؤلف وحيد حامد (أدخل الى العناية المركزة منذ ايام في احدى مستشفيات القاهرة اثر تعرضه لأزمة قلبية حادة، فور تبلغه نبأ الدعوى بحقه وبخبر حكم السجن الغيابي على زميله عادل امام، ما اضطره الى التغيب عن المؤتمر الذي انعقد في ختام اجتماع الجبهة في نقابة الصحفيين المصريين).
وعن الاجتماع المذكور، صدرت توصيات عدة، ابرزها: التأكيد على حرية الفن والابداع، ورفض فرض اي قيود عليها، وصولا الى الفصل بين اي حزب حاكم مستقبلا والمؤسسات الفنية (في اشارة الى مخاوف الوسط الفني من سيطرة الاحزاب الاسلامية على الحكم)… كما تمت الدعوة الى اصدار تشريعات تحمي الابداع والمبدعين، وإلغاء اي نصوص قانونية او دستورية مقيدة لذلك.
وفي الوثيقة الختامية نفسها، دعا المجتمعون الى اعتبار ترويع المبدعين بالتصريحات والمواقف المتشددة، جريمة يجب التصدي لها ويحاسب عليها القانون، كما طالبوا باشراكهم في لجنة صياغة الدستور الجديد.
اما النقابات الفنية الـ3: الموسيقيين والسينمائيين والممثلين، فقد سارعت الى اعلان تأييدها بالكامل لجبهة الدفاع الفنية، وتبنيها لكل ما ورد من توصيات عنها، فيما اعلن نقيب الموسيقيين الفنان ايمان البحر درويش مقاطعته للاحتفال بالثورة الذي كلفه به المجلس العسكري، وذلك تضامنا مع الجبهة الجديدة، وإلى أن تتم الاستجابة لكل مطالبها.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *