استراتيجية امن العدو الاسرائيلي

NOVANEWS
|

بقلم د. اسامة اسماعيل

تمثل العقيدة العسكرية للعدو الإسرائيلي بشكل عام عقيدة دفاعية يتطلب تحقيقها تنفيذ الهجوم الاستباقي، ويمثل أبرز عناصر هذه الاستراتيجية (الهجوم الاستباقي – تحقيق نصر حاسم – تقليل الخسائر البشرية – الحرب الوقائية – الحروب الخاطفة – نقل المعارك خارج حدود فلسطين المحتلة).
ويحاول العدو الإسرائيلي من خلال مستوى العمليات العسكرية تحقيق أعلى معدلات الدفاع الداخلية عن طريق إضعاف الدول العربية سياسيًا وعسكريًا، والمواجهة العسكرية داخل الأراضي العربية وهو ما يمكن ملاحظته من خلال حروب العدو الإسرائيلي مع مصر ولبنان وسوريا وإيران والعراق؛ حيث شهدت هذه الدول مواجهات عسكرية خاطفة خارج نطاقها الجغرافي، لإنهاء تلك الحروب في وضعية أفضل تحقق لها الانتصار السياسي والعسكري.
وتبقى فكرة الدفاع, هي الاتجاه المحرك في الفكر العسكري للعدو الاسرائيلي، في ظل المساحة الجغرافية الصغيرة التي تحتلها, مما يفقدها العمق الاستراتيجي، وعليه بات الهجوم هو السبيل الوحيد أمام تل أبيب لتحقيق خيار الدفاع الأمثل، وامتدادًا لهذا النهج يعتمد العدو الإسرائيلي على حرب الحركة السريعة، فيما يتعلق بالهجوم أو سرعة إنهاء الحرب، قبل أن يتم التدخل من جانب القوى الدولية.
بجانب ذلك فإن نمط الحروب الذي ينتهجه العدو ويقوده يعتمد على استراتيجية الوقت المتعلق باستمرارية الحرب، وكذلك الهجوم المفاجئ، باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، للوصول إلى وضع متفوق فيما يتعلق بالمكاسب العسكرية والسياسية أو فيما يتعلق بالتفوق التفاوضي في حال الجلوس على مائدة المفاوضات، وبالتالي فإن جيش العدو الإسرائيلي لم يهدف في أي من الحملات العسكرية التي خاضها الى الإطاحة بالخصم والوصول إلى الحسم العسكري. بدلًا من ذلك، فقد سعى لتوجيه ضربة عسكرية تمنعه من تحقيق هدف محدد أو لإضعاف الخصم، ويقوم جيش العدو الإسرائيلي بتفعيل وسائل ضغط غير مباشرة (سواء كان ذلك عن طريق الجو أو حصار بحري) لإفساح المجال أمام آليات الدبلوماسية، التي من شأنها تسهيل إنهاء القتال والسماح لإسرائيل بتحقيق أهدافها الإستراتيجية. وهذا يشمل الحالات التي تحدث فيها المسئولون الرسميون عن إزالة هذا التهديد.
عقيدة الطرف:
إلى جانب الشق العسكري برزت الاستراتيجية السياسية التي هي انعكاسًا للاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية المعادية, والتي عُرفت بعقيدة الطرف؛ كان مفهوم “المحيط الخارجي أو عقيدة الطرف” ، الذي قدمه رئيس وزراء العدو الإسرائيليالأول، بن جوريون وإليياهو ساسون، أحد الخبراء الإسرائيليين البارزين في الشرق الأوسط وأول ممثل دبلوماسي إسرائيلي في أنقرة، بأنه لابد من  إيجاد وسيلة لموازنة المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية، ومواجهة العالم العربي وكاستراتيجية تقليدية لتوازن القوى تستهدف مواجهة التهديدات في محيطها الجغرافي.
واعتمدت الاستراتيجية على تكوين شراكات مع العديد من الدول في المنطقة مثل تركيا ، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، وكذلك شاه إيران والإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي، التي حافظت على علاقات صداقة مع واشنطن والغرب ولها صراع طويل الأمد مع الدول العربية (تركيا مع سوريا؛ إيران مع العراق؛ إثيوبيا مع السودان)  والعمل على تقوية شراكات إسرائيل مع هذه الدول المؤيدة للولايات المتحدة والدول غير العربية.
ولكن بن جوريون وغيره من قادة العدو اعتبروا عقيدة الطرف أو المحيط الخارجي استراتيجية مؤقتة يجب الحفاظ عليها طالما رفضت الدول العربية الاعتراف بكيان الاحتلال وصنع السلام معها. ولم يُنظر إليها كبديل للعقيدة المركزية في سياسة العدو الإسرائيلي المتمثلة في تحقيق السلام مع جيرانها من العرب. ولا يمكن أن تكون بديلًا لعلاقة استراتيجية مع قوة عسكرية خارجية قوية، مثل الاتحاد السوفييتي في الأربعينيات، وفرنسا في الخمسينيات، والولايات المتحدة بعد عام 1967.
وبالفعل أثبتت هذه الاستراتيجية فشلها النسبي وإن كانت ناجحة كخطة مؤقتة ناجحة من حيث التكلفة والخداع الاستراتيجي؛ وهو ما أثبتته أوضاع العلاقات بين العدو الإسرائيلي من جانب وتركيا وإيران وإثيوبيا من جانب آخر؛ حيث تعثرت العلاقات الوثيقة مع إثيوبيا وإيران بعد سقوط نظامهما القديم بعد الاضطرابات السياسية التي حدثت في كل دولة، كما انها لم تتمكن من تكوين شراكات استراتيجية مع العديد من المكونات العرقية الأخرى مثل الأكراد في سوريا وتركيا والعراق وإيران والموارنة في لبنان، عوضًا عن علاقاتها المتوترة مع تركيا بعد مهاجمتها أسطول الحرية وقافلة المساعدات المتجهة الى غزة، وهو ما يشير على التمزق في العلاقة بين هاتين الحكومتين، رغم وجود قنوات اقتصادية وسياسية مفتوحة بينهما حتى الآن.
ووفق استراتيجية العدوالإسرائيلي فإن كيان الاحتلال وتركيا يمثلان مركز كتلة واحدة؛ حيث تقف تركيا والكيان، باعتبارهما شريكان طبيعيان؛ فكلا الدولتين غير عربية، وديمقراطية، وغربية موجهة، وكل منهما يحافظ على جيش كبير ويواجه تهديدًا كبيرًا للإرهاب”. وكلاهما يمتلكان رصيدًا كبيرًا في علاقتهما مع الولايات المتحدة، وكل منهما يواجه مشاكل مع كل من سوريا وإيران.
في الواقع، كان واضحًا لصانعي سياسة العدو, أنه طالما بقيت إسرائيل في حالة حرب مع الدول العربية الرئيسية، فإن الاعتبارات الاقتصادية والمصالح العسكرية والألفة الدينية ستضع حدود واضحة على استعداد وقدرة تركيا والدول الأخرى المحيطية. والأقليات لتوسيع العلاقات مع كيان الاحتلال. ومن هذا المنظور فإن العلاقة بين العدو الإسرائيلي وتركيا وإيران وإثيوبيا والعديد من الأقليات في المنطقة العربية لم تكن أبدًا بمثابة “تحالف استراتيجي”. كما تم اعتبار الأتراك كغيرهم من أهداف عقيدة المحيط الخارجي، وعلاقاتهم معكيان الاحتلال كطريقة لتحقيق استراتيجيتهم من خلال تزويدهم بموارد دبلوماسية وعسكرية إضافية لمقاومة الضغط من الحكومات والحركات القومية العربية العدوانية من وجهة النظر العدو الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن الاستراتيجية التركية الأخيرة جاءت لتحسين العلاقات مع الدول العربية، إلا أن مصالح تركيا طويلة الأمد كانت دائمًا قائمة على أساس أن القرب الجغرافي والمصالح الاقتصادية والاعتبارات الحضارية تتطلب تطبيع العلاقة مع جيرانها. كانت هذه العوامل ذاتها التي جعلت من غير المرجح أن تقوم أنقرة بتشكيل تحالف كامل مع دولة يهودية طالما ظلكيان الاحتلال الإسرائيلي في حالة حرب مع العالم العربي.
على الجانب الإيراني؛ وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، كان أبرز تخوفات العدو  من الموقف الإيراني المؤيد للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، بالإضافة إلى محاولات إيران الوقوف إلى الجانب العربي في مواجهة إلاحتلال الاسرائيلي في الحروب، عوضًا عن دعم بعض الأنظمة العربية في مواجهة العدو مثل الصراع الإيراني مع العدو الاسرائيلي في سوريا,  والذي شهد تصعيدا عسكريا إسرائيليا معاديا ضد القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا، وكذلك التطورات الإقليمية المتعلقة بتنامي الدور الإيراني في المنطقة العربية، وما يمثل ذلك من تهديد لأمن العدو، ودعمها حركات المقاومة المسلحة في فلسطين ولبنان وسوريا لتهديد كيان الاحتلال من أقرب النقاط الجغرافية القريبة منها.
إلى جانب كل تلك العوامل فقد أرسلت ايران مستشارين من فيلق القدس، الذراع الخارجية لمؤسسة الحرس الثورى إلى القواعد العسكرية السورية، والذي يتهمه العدو الإسرائيلي بتوجيه الدعم إلى حزب الله اللبناني وحركة حماس لتهديد أمن كيان الاحتلال، وتأكيدًا لتلك التوترات قامت إسرائيل بقصف العديد من المناطق والمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، حيث استهدفت مطار التيفور العسكري في 9 أبريل 2018م، حيث أصابت نيران الدفاع الجوي السوري مقاتلة أف 16 إسرائيلية معادية وأسقطتها، بعد أن قصفت أهدافا داخل سوريا زعم العدو الاسرائيلي انها اهداف ايرانية
كما توالت الدعوات اكيان الاحتلال للمجتمع الدولي بالتصدي لمساعي إيران في المنطقة، وزعزعة الاستقرار، في إعلان منها عزمها منع إيران من إقامة قواعد عسكرية  يمكن من خلالها تهديد امن كيان الاحتلال ومهاجمتها، من خلال محاولة ترسيخ وجودها العسكري في سوريا أو بناء مصانع للصواريخ في لبنان حسب زعم جيش العدو الاسرائيلي.
وفيما يتعلق بعلاقات العدو الإسرائيليي مع اإثيوبيا، فكانت بمثابة استغلال واستثمار وتهديد دولة عربية، وكما ذكرنا تقوم علاقات كيان الاحتلال الخارجية على أساس استغلال التناقضات الدولية من أجل تحقيق مصالحها مع الدول التي تعتبرها معادية، خصوصًا إذا كانت تلك الدول عربية, ويعتبر العدو الإسرائيلي أن الدول العربية هي تهديدات مباشرة لأمنها القومي، ما يعني أنها ستناصر أي طرف غير عربي على نقيضه العربي.
ويمكن القول إن إثيوبيا هي إحدى تلك الدول، إذ ينظر كيان الاحتلال إليها على أنها بوابة إلى القرن الإفريقي. وهكذا، قدم العدو مساعدات كبيرة لاثيوبيا، خصوصًا فيما يتعلق بدعم سد النهضة، على اعتبار أنه من مقومات الأمن القومي الإثيوبي، وأحد عناصر البنية التحتية الهامة لتنمية البلاد.
وقديمًا كان هيلا سيلاسي، آخر أباطرة إثيوبيا حليفًا قويًا للعدو الاسرائيلي، التى ردت الجميل بإجهاض 3 محاولات للانقلاب عليه. لكن فى 1973 وبعد انتصار مصر فى حرب أكتوبر، وبضغوط من منظمة الوحدة الأفريقية، قطعت إثيوبيا علاقاتها العلنية بكيان الاحتلال، إن العلاقات بين “إسرائيل” وإثيوبيا تتخذ الطابع السرى فى أخطر مراحله، وما يتعلق منها بنهر النيل والسيطرة على مدخل البحر الأحمر، من خلال تعاون استخباراتى عسكرى وثيق، بعد خلق إطار يجمع بين الدولتين باعتبار كل منهما محاطة ببحر من «الأعداء العرب والمسلمين».
لكن وعلى الرغم من محاولات العدو الإسرائيل لإيجاد موطئ قدم لها في إثيوبيا فإن هناك العديد من الدول العربية التي شرعت في مواجهة هذا التوغل في القارة السمراء ومن بينهم مصر التي ترأس منظمة الاتحاد الأفريقي في 2019، ووضع أجندة أمنية وسياسية لمواجهة التهديدات التي تؤثر على أمن المنطقة باعتبار مصر بوابة أفريقيا التي تمثل عمقها الاستراتيجي.
إجمالًا: إن تحالف كيان الاحتلال الاإسرائيلي الخارجي مع تركيا وإيران وإثيوبيا  تم إنشاؤه في الخمسينيات كأداة لتفادي السلام مع العرب. على أن العودة مجددًا إلى هذا التحالف تمر عبر المصالحة مع العالم العربي، وبالتالي أدرك العدو, بأن تحسين العلاقات مع الدول العربية المجاورة سيشكل البديل السياسي الحتمي والوحيد لاستراتيجية عقيدة الطرف أو المحيط الخارجي بما في ذلك العلاقات مع الفلسطينين أنفسهم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *