انجازات ثورتكم: قتل وارهاب وتخريب

غسان جواد – بانوراما الشرق الأوسط

منذ ما يقلّ من عام تقريبا، كتبت مقالا على شكل رسالة مفتوحة الى احد الاصدقاء ممن سارعوا الى الترحيب بما يسمى “الثورة السورية” حذرته فيها من ذهاب البلاد نحو حرب اهلية، وارتفاع منسوب الخطاب المذهبي والتطرف وامكان وصول الحركات الاصولية الى السلطة على غرار بلدان عربية اخرى، والتدخلات الخارجية التي ستأتي حكما على حساب ما يطمح اليه الشعب السوري في الاصلاح والتطوير والتحديث.. وقد لفتني يومها تعليق كتبه احد “فناني الثورة” تحت مقالتي واقتبس بالحرف: “مع احترامي.. لكنني لم اجد في هذا المقال سوى تصدير للذعر”!!

تخطر في بالي هذه الرسالة الان، وهذا التعليق بعدما تأكدت مخاوفنا جميعها وبات جزء كبير منها متحققا او قاب قوسين من التحقق، اما تعليق الفنان المذكور “المسيحي بالهوية” السلفي في العقل والممارسة، فلم يكن سوى تعبير عن سقوط كبير في الخديعة والوهم حيث كان يظن معظم هؤلاء ان ايام النظام “معدودة” وهذا ما جعل بعضهم يتورط كثيرا ويتكلّم بإستعلاء منفّر كأنما الحقيقة على يمينه ويساره ومن فوقه وتحته. طبعا لم يكن جميع من انحاز للثورة في بدايتها مقتنعا او مؤمنا بها بدليل ان غالبيتهم كانوا منتفعين من عطايا السلطة وجزءا من الفساد الذي هاجموه ويهاجمونه الان، لكنّ الذي اشترته السلطة يوما بحفنة من الليرات السورية على شكل مشاريع ثقافية وفنية، اشترته مجددا “الثورة” بحفنة من العملة الخضراء اياها التي يضعف امامها المفكرون والمثقفون والكتبة المزعومون، الى درجة جعلت احدهم مؤخرا يدبج مقال مديح هائل بشيخ سلفي لأنه “افتى بجواز الشذوذ الجنسي” معتبرا اياه واحدا من “متنوري” هذا العصر من غير ان يتعب نفسه في البحث عن”تاريخ اللواط” لدى هؤلاء وكيف ان بعض مذاهبهم تقول بحليّته في كتب التاريخ والتراث.

لأن القضية السورية تعنيني من زاوية سياسية وثقافية واجتماعية، ولأن موقفي من الازمة السورية نابع من حرصي على سوريا الدولة ووحدة الشعب والارض والمجتمع، ولأن سوريا اليوم مهددة ليس بموقعها ودورها المقاوم وحسب انما بكيانها ووجودها ووحدتها، اجد لزاما علي مجددا ان اقرأ فيما انجزته “الثورة السورية” من تخريب وقتل وارهاب وتدمير ممنهج للنسيج المجتمعي السوري ولمؤسسات الدولة على يد جماعات مدعومة وممولة من اكثر بلدان العالم الحديث تخلفا واحتقارا للإنسان والمرأة وحقوق البشر المبدئية تلك التي لا تختلف عليها قبيلتان متناحرتان في مجاهل افريقيا الوسطى.

اول ضحايا هذه “النهضة المذهبية” كان النسيج المجتمعي السوري المتعدد والمتنوع كما معظم الشعوب الشامية التي لا وجود فيها لأكثريات واقليات بالمعنى العددي للكلمة، وقد نجح “الغزو الصحراوي” في الدخول الى الاطراف والارياف عبر جماعات ارهابية تكفيرية تنطلق في الاساس من حقد دفين على كل مظاهر التعدد والتنوّع لأنها الغائية شمولية في الاساس وتنطلق وتصدر نحو الافكار من زاوية ترفض الاخر وتعتبره عدوا يستحق القتل بمجرد انه صاحب رأي او عقيدة او مذهب ديني او ثقافي او اجتماعي.

ولم تسلم الدولة ككيان معنوي ومرافق عامة من همجية هؤلاء، وكان استهداف المؤسسات المدنية والخدماتية والعسكرية والامنية ممنهجا ومطلوبا من اجل اضعافها وتسهيل تفكيكها ووقوعها في ايدي “الاشرار” على غرار ما جرى في العراق تقريبا. سقط عدد كبير من الشهداء من مدنيين وعسكريين ورجال امن، وتعطّلت مصانع ومعامل ومحطات الوقود والكهرباء والماء، وتراجعت القيمة الشرائية لليرة السورية ونال الاقتصاد نصيبه من العبث والتخريب. وفي موازاة هذا الاجرام الموصوف بحق الدولة التي من المفترض انها للجميع، كانت الدول العربية والغربية تشن اعنف هجوم سياسي ديبلوماسي ضد سوريا وتعمل على اخراجها من الجامعة العربية ومن كل حضور دولتي لها على مستوى المحافل الاقليمية والدولية. وفي هذا المعنى كانت الجمهورية العربية السورية تواجه حربا مزدوجة بالتزامن بين التخريب الداخلي والعبث الخارجي، ولكن بتوقيع واحد عنوانه الغاء كل مظاهر الدولة والعودة الى الهويات الضيقة والاعلاء من شأن الزعران وزعماء الحارات والشوارع والزواريب واطلاق لقب “ثوار” عليهم.

اذا، انجزت “ثورة الدهماء” انجازات كبيرة وكثيرة على مستوى النيل من سوريا المجتمع والدولة، لم تنجح ولن تنجح في تحويل دمشق الى مقديشو ثانية، وهي في طريقها الى الفشل الكامل بعد الجولة المتوقعة قريبا اثر انفضاض عقد مؤتمر “اصدقاء سوريا” الذي يعد العدة لحرب فاشلة سلفا على الشعب السوري، لكنها تركت ندبة وعلامة قاسية على الجسد السوري لن تمحوه بيانات “الاخوان المسلمين” الزائفة والكاذبة عن الدولة المدنية الديموقراطية، ولا قصائد ومطولات المرتزقة من مثقفي الصحراء والجمال والبعير.. وارضاع الكبير، ولا نظريات عزمي بشارة وميشال كيلو وبعض الديكورات اليسارية والعلمانية الموجودة في هذه “الحفلة البشعة” لدواعي التنويع والتسلية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *