هل يطمس المال و«التفاهم» السياسي معالم «ميدان سباق الخيل الروماني» في وسط بيروت تحت حجة «التفكيك»؟

بقلم رحاب أبو الحسن- صحيفة اللواء اللبنانية

للصراع السياسي في لبنان بداية ولكن ليس له نهاية، فبعد الخلاف على ملفات الكهرباء والتعيينات الادارية والسلاح وكتاب التاريخ، جاء اليوم دور الآثار التاريخية للبنان والتي برزت في الأيام القليلة الماضية من خلال قرار وزير الثقافة غابي ليون تفكيك ميدان سباق الخيل الروماني في وادي أبو جميل والتابع للعقار الرقم 1370 لإدخاله لاحقاً إلى حديقة المبنى.
حكاية العقار 1370
هذا القرار استنفر اللبنانيين من سياسيين وأثريين ومجتمع مدني الذين رفضوا بشدّة تفكيك المعلم الأثري المهم لصالح الشركة العقارية مالكة العقار 1370 الذي بات جرّاء السجال القائم اشهر من العاصمة بذاتها فما هي حكاية هذا العقار؟ 
يقع العقار 1370 جنوب الكنيس اليهودي في منطقة ميناء الحصن غرب السراي الحكومي وبيت الوسط ،وبات يتخذ طابع القضية  منذ العام 2005 عندما باعت شركة سوليدير قطعة الارض التي يوجد فيها الميدان من سليم خير الدين والد الوزير مروان خيرالدين الى ناظم أحمد  المقرّب من «حزب الله «من دون علم أي من الطرفين (البائع والشاري) بوجود هذا الأثر المهم.
وعندما بدأ أصحاب العقار بأعمال الحفر ظهرت آثار ميدان سباق الخيل الروماني، سعوا عندها لدى وزراء الثقافة المتعاقبين الى نقل الميدان الى حيث تجمع الآثار صغيرة الحجم.
لكن الوزراء المتعاقبون (تمام سلام وطارق متري وسليم وردة) رفضوا فكرة النقل وأصدروا قرارات حازمة بذلك ووضعوا العقارعلى لائحة الجرد. وعلى الرغم من تعهد صاحب العقار الحفاظ على المعالم، بقي الملف عالقا، الى أن جاء الوزير غابي ليون فأصدر قرار النقل ناقضا القرارات السابقة.
وفتح هذا القرار باب السجالات حيث اعتبر وزراء الثقافة السابقون أن قرار ليون جاء على خلفية سياسية وليس كما يدّعي المقربون منه من أنّ المكان الذي سينقل إليه الميدان سيشكل سداً في وجه «بيت الوسط» للرئيس سعد الحريري.
وتبيّن وثائق جرى تسريبها للاعلام أن الوزير ليون خاطب شركة «بيروت ترايد ش. م. ل.» المملوكة من آل الأحمد، معلناً موافقته على اقتراح الشركة دمج المكتشفات الأثرية في العقار رقم 1370 من منطقة ميناء الحصن العقارية في المشروع المنوي بناؤه في العقار المذكور.
وبناءً على هذه المراسلة وافقت وزارة الثقافة على«دمج كامل الجزء الجنوبي من الآثار في البناء المنوي إنشاؤه، وذلك بإبقائها في مكانها، والموافقة على تفكيك وإعادة تركيب أجزاء الشوطة الوسطية من ميدان سباق الخيل الروماني والأجزاء الشمالية منه ضمن هذا الميناء».
لكن العديد من خبراء الآثار لا يوافقون على هذا القرار الذي نصح به مكتشف الموقع هانز كروفر (هولندي) المعروف بأنه يوصي دائما في كل الحفريات التي أشرف عليها بنقل الآثارالمكتشفة ضمن الشركات العقارية تحت حجة عدم أهميتها التراثية البالغة ،الأمر الذي أدى في النهاية الى طمر العديد من الآثار تحت باطون العقارات . 
وتقول احدى خبيرات الآثار التي عملت في الحفريات الأثرية في بيروت منذ العام 1996 ،الى أهمية ميدان سباق بيروت الروماني ،وهو الثاني المكتشف في لبنان، بعد ميدان صور، والخامس في الشرق بعد ميادين القيصرية في فلسطين وجرش في الأردن وبصرى الشام في سوريا وصور في لبنان.
وتشير الى أن هذا الميدان الروماني الذي يعود الى الحقبة الرومانية والبيزنطية التي تمتد بين القرنين الاول والخامس ميلادي ويقوم على مساحة 3500 متر مربع، يصنف بأنه الأضخم، وترتفع مدرّجاته لعدة أمتار، وتمتد حلبة السباق فيه إلى أكثر من 90 متراً، ولا يزال يتوسطها الحائط الفاصل الذي كان يدور من حوله المتبارون.
وتؤكد أن الميدان يتمتع بالاهمية الاثرية ذاتها التي تتمتع بها مدرسة الحقوق، وورد ذكره في نصوص من القرن الرابع والنقوش التي تتكلم على السحر والشعوذة التي غالبا ما كان يلجأ اليها الرومان.
وتذكّر بما أوردته المؤرخة نينا جيدجيان في كتابها «بيروت عبر العصور» انه «في عام 1929 واثناء اقامة اشغال بناء قصر لقنصل اليونان في المكان الذي كان يقوم فيه ميدان سباق الخيل الروماني اكتشف العمال لوحة من الرصاص بطول 15 سنتيمترا وعرض 10 سنتيمترات موجودة الآن في مستودعات المتحف الوطني، تحمل نصا عن السحر هو الاول الذي يعثر عليه في فينيقيا، ويلقي الاذى من السحر، قبل الفي عام، على 35 حصانا جاهزين للركض في ميدان سباق الخيل وكل حصان منذور للشيطان و يرفع الخيالة اللون الازرق».
وتقول ان «اول ذكر لميدان سباق الخيل في بيروت ورد في كتاب لعالم جغرافي من القرن الرابع الذي ابتدع نوعا ما الدليل السياحي الاول في العصور القديمة ويسمي فيه المدن الرئيسية في آسيا ونشاطاتها الثقافية والرياضية ومنها بيروت. وأنه في القرن الرابع قلقت السلطات الدينية من الانجذاب الذي كان يشكله ميدان السباق في بيروت على طلاب مدرسة الحقوق، فالشبيبة كانت تفسدها ألعاب السبق وممارسات السحر الاسود فتدخلت الكنيسة في الوقت المناسب واعادت النظام واحرقت علانية نصوص الشعوذة والسحر في قلب وسط بيروت البيزنطية (…)».
وتوضح الخبيرة الأثرية الى أن هذا النص وغيره يشير الى أهمية هذا المعلم التاريخي الذي يجب أن يكون معلما سياحيا ظاهرا للعيان يبرز التاريخ العريق لمدينة بيروت بعيدا عن الصفقات السياسية والتجارية مطالبة وزير الثقافة  بتأهيل هذا الموقع وإبرازه وجعله معلماً سياحياً على غرار المعالم الأخرى المحافظ عليها في وسط مدينة بيروت.
ويشار الى أن قرار الوزير ليون يمثّل مخالفة قانونية لقرار وزير الثقافة الأسبق تمام سلام الرقم 63 الذي صدر في 26 آب 2009، والقاضي بإدخال كامل العقار رقم 1370 في لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية.
وكان سلام قد خاطب شركة سوليدير في 20 تشرين الثاني 2008 معلناً قرار وزارة الثقافة ــ المديرية العامة للآثار الحفاظ على المعالم الأثرية في العقار 1370 في موقع اكتشافها، بالنظر إلى أهميتها الأثرية والتاريخية والمعمارية، على أن يصار إلى تأهيل هذا الموقع وإبرازه وجعله معلماً سياحياً على غرار المعالم الأخرى المحافظ عليها في وسط مدينة بيروت.
ولم يكن خطاب سلام الأول من نوعه إلى سوليدير،فقد سبق للوزير السابق طارق متري أن أرسل كتاباً إلى الشركة يحمل المضمون نفسه في 11 تموز 2008، ويؤكد فيه «المحافظة على الآثار في موقع اكتشافها، على أن يصار إلى تأهيل هذا الموقع وإبرازه وجعله معلماً سياحياً».
كما أن المديرية  العامة للآثار وردّا على المراسلات التي تلقتها بهذا الخصوص حسمت أمرها في حينه، ورفضت اقتراح نقل ميدان سباق الخيل، وأوصت بالحفاظ على المكتشفات الأثرية في مكانها، ومن ثم العمل على إعداد مشروع لتأهيل الموقع.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *