مروان عبد العال : المطلوب انسحاب تاريخي من الوهم !


 
Posted by: Siba Bizri

Arabic Shoah  Editor in Chief

 المكتب الإعلامي

                                                         الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين  

لم يكن حدث إستئناف التفاوض مع العدو الا مؤشراً من المؤشرات التي لا تعد ولا تحصى والتي تدل على عنق الزجاجة التي دخلها العقل السياسي الفلسطيني، حتى بات مشلولاً وعاجزاً عن اجتراح الوسائل والأساليب النضالية الكفيلة بتحقيق أهداف وطموحات الشعب الفلسطيني، ومحكوماً بذهنية التفاوض ثم التفاوض هو البديل عن التفاوض!

ويأتي تعبير الرفيق مروان عبد العال عن هذه الحالة “المطلوب انسحاب تاريخي من الوهم!”  بالغ الدلالة، اذا أنه يوحي بأن العقل السياسي الفلسطيني في وضع غير سليم غارقاً في ضروب الأوهام، ولن يقوى على تجاوز ما هو فيه الا إذا استطاع الإنسحاب الكامل من شباك الوهم الأمريكي التي وضع نفسه فيها.

إن حديثنا عن العقل السياسي يتجاوز توجيه التهم لهذه الجهة او تلك، رغم المسؤولية المباشرة التي تتحملها الجهة التي اتخذت قرار اسئناف التفاوض، ضاربة بعرض الحائط الإجماع الوطني وقرارات المؤسسات الوطنية الفلسطينية لاسيما المجلس المركزي لـ م.ت.ف واللجنة التنفيذية، وفوق هذا وذاك تجربة مريرة من التفاوض غير المجدي على مدى ما يقارب عشرون عاماً، والذي استنزف طاقات شعبنا وبدد تضحياته، الا أن المسؤولية الوطنية تقتضي ان نتجاوز اي جهة تفرط بالمصلحة الوطنية العليا، ولا نسمح لها ان تقفل المسارات وتمنع الخيارات البديلة، ولنكن في وضع يسمح لنا من اجتراح وسائل نضالية جديدة تمكننا من تحقيق اهداف وطموحات شعبنا.

المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان التقى الرفيق مروان عبد العال -عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومسؤولها في لبنان- وذلك بهدف الإستيضاح عن موقف الجبهة ورؤيتها للمفاوضات الجارية مع “اسرائيل” وانعكاساتها على الواقع الفلسطيني. والتفرد بقرار مصيري والخروج عن الإجماع الوطني الفلسطيني وتغّول الإستيطان واستمراره كواقع عنيد يدمر الحد الأدنى من البرنامج المرحلي . والمخاطر التي تهدد شطب حق عودة اللاجئين الى ديارهم، ومحاولة تحقيق الحلم الإسرائيلي بإعلان “يهودية الدولة” على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في ظل دعم أميركي واضح للكيان الصهيوني فاعتبر عبد العال أن المراقب لا يحتاج كبير جهدٍ حتى يدرك الطبيعة المأساوية التي تصبغ المشهد الفلسطيني، وليعرف ماذا ينتظر المنتظرون أن يتحقق، لأنه يتوجب على المرء أن يقوم بإلغاء عقله إن لم يدرك بؤس المسار الذي آلت إليه الأمور واستئناف المفاوضات ليس إلا تعبيراً عن خيار الإضطرار، أي خيار اللا خيار، كون المفاوض  الفلسطيني قد سيق لها مرغماً وبمذكرة جلب أمريكية وذلك من أجل استكمال ترويج الأوهام وصناعة الخديعة، التي عبر عنها لسان حال الذي يعرف من ذاك الذي لم يعلمه التكرار بعد والذى قام بليّ عنق أيقونة الثورة لتصبح “مفاوضات حتى النصر فالذي لم يتحقق خلال عشرين سنة من المفاوضات سيتحقق بمزيد من المفاوضات”.

وأكد عبد العال أن الإدراة الأمريكية تريد القول أنها مازالت الحاكم والآمر والناهي وصاحبة الوكالة الحصرية بما يسمى “عملية سلام” حتى لو كانت بلا سلام، والذي يمسك بزمام الملف الأكثر تعقيداً في المنطقة وأن أي طامح أو لاعب دولي أو إقليمي جديد لن يكون شريكاً او نداً في حل ملفات المنطقة، وأن السيد الأمريكي هو الذي يقوم بتقسيم الجبنة وتوزيع الأدوار . لذلك نحن نعتبر قبول هذا الدور المنحاز تاريخياً للعدو الصهيوني لا يعطيه صفة الراعي النزيه، فهي راعية العدوان والإستيطان والإحتلال والرجعية والإستبداد والحروب في المنطقة والعالم .

وعن سؤالنا إن كان هناك من يبرر الذهاب للمفاوضات فلسطينياً بحجة الضغوط التي تتعرض لها السلطة اوللإستكشاف، وعن مكاسب الطرف الفلسطيني وخسائره كذلك الأمر بالنسبة للعدو الصهيوني أجاب عبد العال:” الإستجابة لاستئناف المفاوضات  تحت عدم القدرة على مقاومة الضغوط او الخوف من الولايات المتحدة هذه مسألة مؤذية بسمعة القيادة التي لم تعد تفهم من السياسة سوى معنى الإستجداء، هذا عذر أقبح من ذنب، أما الذي يبرر بداعي الإستكشاف فإننا نقول وبعد سنوات التفاوض التي لم توقف جداراً أو استيطاناً أو ابتلاع أرض و هل ينبغي أن تذوق البحر كله لتقتنع ان البحر مالح؟ وإن كانت الولايات المتحدة تضغط بكل قوتها للشروع في التفاوض دون وقف الإستيطان فهل ستكون نتائج الربح والخسارة متعادلة ام لمصلحة العدو الصهيوني، وإلاّ فلماذا يطرح كيري الإغراءات المالية كما التهديدات والضغوطات تحت أسماء المسارات الإقتصادية والأمنية والسياسية”.

ويرى عبد العال أن هذا السلوك يستهدف تقويض النصر الدبلوماسي الذي تحقق في الجمعية العامة وقطع الطريق على أي خطوات مستقبلية وعلينا ان لا ننسى أن الإدارة الأمريكية اصطفت الى جانب إسرائيل في وجه العالم، باعتبار الإعتراف بدولة غير عضو يعيق عملية السلام وهو تصرف آحادي. وتساءل:”اليوم مهما كانت نسبة هذا النصر، أوليست دروس التاريخ تؤكد أن الأهم من النصر هو الحفاظ عليه؟هل ندمره بأيدينا ووفق مرجعيات تخلقها الولايات المتحدة، بعيداً عن الشرعية الدولية وتنتقص من الأرض والحق الفلسطيني؟ هذا برسم من يدعي إن كان هناك من يدّعي أن للمفاوضات نهاية بالدرجة الاولى ومفيدة لنا بالدرجة الثانية”. ويعتبر مروان ان الأسوأ هو أن تتحول مسألة غاية في الإنسانية والقداسة كقضية إطلاق عدد من الأسرى من سجون الإحتلال الى ابتزاز سياسي يمارس على المفاوض الفلسطيني، والى رشوة للتباهي بإنجاز مستحق ومؤقت، لذلك نرجو ان يغفل ما يدفعنا للتباكي على ما هو مؤجل .

وعندما سألناه: هل يكفي التعبير عن الرفض؟ أم المطلوب أكثر من ذلك؟ هناك من يطالب بالإنسحاب من منظمة التحرير الفلسطينية وآخرون يدعون الى انتفاضة، فما هو السبيل الأفضل كي نمنع الخسائر الفلسطينية؟

 أجاب عبد العال:” الرفض والقول –لا- كبيرة وواضحة، هو مقاومة للصمت واطلاق حرية الكلمة الصادقة والتي تغلي بالوجدان وتعبير عن ضمير الشعب، لكن هذه  الـ لا  الإعتراضية، ضرورية ولكنها غير كافية، والمطلوب صراحة هو الإنسحاب التاريخي من الوهم إن أردنا أن نمنع الخسائر المجانية كما علينا مغادرة الوهم الذي تمتد دائرته لتشمل مساحة واسعة من الحركة التقليدية التي صارت أسيرة هذا الوهم، قد يكون أساسه أوسلو وتبعاته وقد يكون الوهم سابقاً بالمعنى التاريخي له، إن لم يكن إتفاق اوسلو نتاجاً له. مساحة هذا الوهم في الواقع السياسي الفلسطيني أعمق من أن يحصر فيما تبقى من منظمة التحرير أو لجنتها التنفيذية، هذه ردود تكتيكية، برأيي ان التشويه  صار ممتداً الى مؤسسات السلطة بوجهيها، في قيم جديدة  داخلية ووعي زائف، في بنى وهياكل ومنظمات حكومية وغير حكومية، هذا الوهم الذي أعطى للصراع محتوى وسمة لا تمت لأساسه بأصل او صلة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل نجرؤ؟  ان تخلفنا سيتقدم الشعب، في زمن الكتل التاريخية التي أخذت معالمها في الموجة الثانية من الثورة المصرية، إعطاء الحرية مفهوماً اوسع من قضية صندوق الاقتراع، التي تستخدم دائما كوسيلة لاحتواء الإختلاف، المطلوب هو الرد التاريخي عبر رؤية تاريخية تتقدمها طليعة تطرح بديلاً تاريخياً تستعيد القضية الفلسطينية كقضية تحررية، نخرج فيها من الغيبوبة الفكرية والردود العفوية والأفعال العشوائية التي تجري بمعظمها في دائرة ملعب قواعد اللعب فيه مرسومة سلفاً، وترى فيه طيفاً واسعاً مكبلاً قسراً أو طوعاً لهذه اللعبة، نحو خطوات متدرجة ذات بعد استراتيجي خلاق مفتوح الأفق. وقد قالها مرّة الشهيد أبو علي مصطفى بعد اجتياح عام 1982، كان يومها صارخاً وحاداً وجارحاً بسؤاله : من قذف ماء النار على وجه الثورة وشوّه القضية الفلسطينية ؟”.

وعن إمكانية الخروج من هذا المأزق وكيف يمكن أن تساهم الجبهة في ذلك يؤكد عبد العال أنه قد يبقى الأفق مسدوداً  طالما نحن رهائن للمأزق، كأننا امام غاية منقوصة أو ملتبسة أو مقسّمة مع الأسف، عند تحديد هدف الصراع، ويجسّد بشيء إسمه الغاية الجامعة. التي يتحد عليها الكل ويضحي لأجلها الكل، أريد ان أقرع العقول هذه المرة وإن كان متاحاً لي أن أسأل: ما هي الغاية الجامعة التي تؤسس لقوة روحية يتحد عليها الشعب الفلسطيني كله أولا؟ الجبهة الشعبية لها الفخر و الشرف أنها داخل هذا السؤال وليست خارجه، لأنها في قلب المسؤولية التاريخية وليست خارجها، فهي تدرك أن عليها مسؤولية شاقة باستعادة وجه القضية الفلسطينية ومعنى فلسطين في العقل والوجدان والحركة السياسية، أن تقوم بتجديد وعي الصراع  والذي يختلف عن أي صراع في الكون، لأنه جوهر الصراع هو على الأرض وليس على توزيع موارد اقتصادية فحسب، فلم يعد هناك في الأرض متسع لقصيدة، كما قال محمود درويش فكيف لدولة؟ اذاً هو صراع على المكان والزمان معاً، أي هوية وانسان، ليس باحتلال الإنسان فقط بل بنفيه وجوداً فيزيائياً وسياسياً، فمسعى العدو هو تدمير المجتمع وتفكيك الشعب الفلسطيني. المسألة التي علينا إدراكها الآن هو مفهومنا لحركة التحرر الوطني الفلسطيني ولمرحلة البناء والتحرير،  قولاً وعملاً، نصاً وروحاً، فكراً وممارسة، أولها : الإستمرارية، فلا يوجد حركة تحرر وطني تتحول الى سلطة و تتوقف قبل ان تحقق اهدافها ودروس التاريخ تقول ان استمرار حركة التحرر شرط لإضمحلال مشروعية الاحتلال.

أما ثانيها: الجبهة الوطنية الشاملة والعريضة، أي الوحدة ضد المحتل، التنافس المشروع هو في النضال ضد الإحتلال والإختلاف هو في الرؤى الفكرية وهو لمجتمع بعد الإحتلال والتعددية أساس التنوع لمفهوم التحرر والحرية أما الانقسام واختلاف مفهوم العدو، فهو خسارة قضية الحرية بيد المطالبين بها. ويتمحور ثالثها حول مفهوم القوة، القوة بكل مكوناتها الشعبية السلمية والإقتصادية والمدنية والعنفية، الخطيئة من يقسم وسائل النضال الى قوة واللا قوة، او مقاومة ولا مقاومة. المقاومة هي استخدام القوة بكل وسائلها، ولنضع في عقولنا درس مفاده أن العدو تعاطى مع النضال السلمي والمقاومة الشعبية بنفس وتيرة تصديه للعمل المسلح. هذا هو هدف الصراع الذي قالت عنه الجبهة في استراتيجيتها يجب ان يكون واضحا، وهذه حركة التحرر التي لا نعرف ان كان سلوك قواها يقول انها كذلك والعلاقة الجبهوية الداخلية لمرحلة التحرر ونحن تحت ضغط  ما ذهب اليه الانقسام، وأدواتها الكفاحية التي تعيش هي الأخرى في دائرة الخلاف والوهن والوهم والتشويه .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *