سيد قطب (رحمه الله)
لم ينل أحد من المفكرين الإسلاميين اهتماما بين قبول ورفض كما نال الأستاذ سيد قطب.. وكان التطرف في التعامل معه يراوح بين إعدامه واتهامه بالتكفيرية و بالإرهاب وبالتأسيس له، وجعل ظاهر بعض كلماته وجمله دستورا صارما للحكم التعسفي على الناس والهيئات كما حصل من قبل بعض التابعين بمدارسهم المختلفة..
فكيف يمكن تفكيك المشكلة لاسيما وان سيد قطب لازال ذا حضور في ساحة الفكر الاسلامي متميز ومرجعي؟ وما هو المناخ الذي نشأ فيه فكر سيد قطب؟
الشروط الموضوعية والذاتية:
كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكانت حركة الإخوان المسلمين في مصر وندوة العلماء في الهند والجماعة الاسلامية في باكستان وتميز مفكرون ممتازون كمالك بن نبي وسيد قطب وعلي شريعتي في محاورة للفكر الغربي ولمن استجاب له في منطقتنا العربية وعالمنا الاسلامي وذلك لدفع حركة الفكر الإسلامي في ساحة التصارع والمواجهة الحضارية بقوة ومقاومة مستميتة..
هزة عنيفة تلك التي أصابت الفكر الإسلامي قبيل سقوط الخلافة العثمانية امسك بمهمازها السيد جمال الدين الأفغاني وتلامذته المنتشرون في الوطن الإسلامي محمد عبده ورشيد رضا والثعالبي وطاهر بن عاشور وعبد الحميد بن باديس..لقد فجر هؤلاء الرواد ينابيع الوعي الإسلامي وتجددت معهم إجابات الإسلام في شتى المجالات على الأسئلة الكبيرة والتي يطرحها الهجوم الاستعماري على الأمة..
فكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكانت حركة الإخوان المسلمين في مصر وندوة العلماء في الهند والجماعة الاسلامية في باكستان وتميز مفكرون ممتازون كمالك بن نبي وسيد قطب وعلي شريعتي في محاورة للفكر الغربي ولمن استجاب له في منطقتنا العربية وعالمنا الاسلامي وذلك لدفع حركة الفكر الإسلامي في ساحة التصارع والمواجهة الحضارية بقوة ومقاومة مستميتة..
هذا في ظل وجود حكومات هزيلة ومشاريع سياسية سطحية اما عنصرية او علمانية مقطوعة الجذور او فوضوية بلا هدف ولا غاية اوصلتنا جميعها الى نكبات اضاعت فلسطين وجزأت الامة..في حدود المساحة المتاحة هنا سوف أتناول بالحديث عناصر شخصية سيد قطب المفكر الإسلامي الألمعي والأكثر إثارة.
سيد قطب المناضل الاجتماعي:
تمتع سيد قطب بحس نقدي وثوري في التعامل مع القضايا بشتى عناوينها وإذا ابتعدنا قليلا عن إسهاماته في النقد الأدبي “التصوير الفني في القران” و”مشاهد القيامة في القران” وكتابه “كتب وشخصيات” والتي تعبر عن ملكة متكاملة يتحلى بها الأستاذ سيد..
فإننا نراه دوما يتحرك في معالجة التاريخ والواقع بجرأة بمنهجية علمية صارمة لتفسير حركة التاريخ ويخلخل أفهاما مترسخة في أذهان الكثيرين لاسيما عندما تناول تاريخ الخلافة الراشدة والأمويين نقدا وتوضيحا وتحديدا لموقفه المتميز وغير المألوف لدى جمهور السنة في كتابه بالغ الأهمية “العدالة الاجتماعية في الإسلام”..

ولسيد قطب القدرة المتكاملة في نقد الأوضاع المعاشة الثقافية والدينية والاقتصادية فكانت له مواقفه من استقواء الطبقات البرجوازية والإقطاع حيث شن حربا بلا هوادة ضد النمط الاجتماعي الطاغي في مصر قبيل ثورة 1952 ووقف مع الفلاحين لتملك الأرض هاتفا بدمائهم التي سقطت في الريف المصري في مواجهة الإقطاعيين كما جاء في كتابه “قوة الكلمة”..
تمتع سيد قطب بحس نقدي وثوري في التعامل مع القضايا بشتى عناوينها وإذا ابتعدنا قليلا عن إسهاماته في النقد الأدبي “التصوير الفني في القران” و”مشاهد القيامة في القران” وكتابه “كتب وشخصيات” والتي تعبر عن ملكة متكاملة يتحلى بها الأستاذ سيد..
وواجه سيد قطب بقوة أشكال التدين الفاسد لاسيما ذلك الذي يتدثر بالإسلام لمحاربة الشيوعية تمكينا للرأسمالية فكتب عن “الإسلام الأمريكاني” وكتب عن “معركة الإسلام مع الرأسمالية”..
وكتب فاضحا النموذج الأمريكي في كتابه “امريكا من الداخل” وفاضحا بشكل اوسع الاستعمار الغربي والنظام الاقتصادي الرأسمالي وآثاره المدمرة على المسيرة البشرية.
سيد قطب المناضل السياسي:
لقد شغلت قضايا الأمة اهتمام سيد قطب وانهمك في التفاعل معها على أكثر من مستوى ففي حين كان محرضا للقتال ضد الوجود الانجليزي في مصر من خلال مقالاته والتي ضمنها كتبه في تلك المرحلة كان مدافعا بقوة عن ثورة الشعب الجزائري من خلال سلسلة مقالات له وأيضا دفاعه عن الحراك الاجتماعي والسياسي في تونس..
لقد كان يرى الامة كتلة واحدة والمشروع الغربي كتلة واحدة.. لقد كان سيد قطب عضو مؤسس قيادي في المؤتمر الإسلامي في القدس الذي ترأسه البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دفاعا عن فلسطين..
وكانت كل قضايا الأمة في كل مكان همه الذي أوقف قلمه دفاعا عنها بكل ما استطاع الى ذلك سبيلا.. ولوعيه السياسي ومواقفه المبدأية رأى الضباط الأحرار الذين قاموا فيما بعد بثورتهم على النظام الملكي ان سيد قطب خير نصير لحركتهم فكان لسيد مكانة خاصة لديهم قبل الثورة وبعيدها يجتمعون له في بيته بحلوان يتناقشون معه في قضايا ثقافية واجتماعية وسياسية.
وكان لعبدالناصر علاقة متميزة مع سيد قطب الذي كان له نشاط تعبوي يوميا من خلال إذاعة القاهرة في شرح طبيعة الثورة والدفاع عن مقاصدها وضمن بعض هذه الكلمات في كتابه “دراسات اسلامية”..
ولهذا تجاوز تأثير سيد قطب حدود مصر بل وحدود المنطقة العربية.. وباختصار يمكن تلمس أثار فكره في الحركات الإيرانية المناهضة للشاه ولقد تكونت حركات على أفكاره مثل فدائيي الإسلام بقيادة نواب صفوي الزعيم الثوري في إيران ومحمد منتظري وكذلك كانت قيادات إيرانية بارزة تقوم بنشر أفكار سيد قطب في إيران وترجمة كتبه وعلى رأس هؤلاء السيد خامنئي وتسخيري وهادي خسرو شاهي وسواهم كثير..

سيد قطب المفكر الإسلامي:
لقد نشأ سيد قطب نشأة جادة في بيئة محافظة في صعيد مصر حيث يكون لمواصفات الرجولة قيمتها من المبدأية والثبات والدفاع عن الموقف وما في البيئة من أخلاق حميدة وكان منذ صغره متعلقا بالقرآن الكريم و ظلت هذه الثقافة ببعديها البيئي والقرآني تحركه في شتى المجالات والمواقف الخاصة والعامة..
ومن هنا كان واضحا جريئا شجاعا وهو يواجه التاريخ الإسلامي والنظام الاقتصادي الاجتماعي في مصر والقصر والأحزاب والثقافات الخليعة والرأسمالية.. وأمدته فصاحته وقوة بيانه سحرا خاصا جعل كتاباته كما لو كانت منشورات تحريضية تلهب الجماهير وترفع من قامته حتى أصبح رمزا يشار إليه بالبنان في مصر..
شهد سيد قطب التحولات في المنطقة والعالم وأدرك بان هناك أزمات تتعرض لها شعوب امتنا وأخرى يتعرض لها العالم كله وأدرك سيد ان النظم الاقتصادية والاجتماعية السائدة في العالم تقود البشرية للهلاك والبؤس والشقاء..
وانكب سيد على تأمل القرآن الكريم في ضوء أزمات البشرية التي يتأملها وكتب موسوعته البديعة في ظلال القرآن.. ينادي الناس كلهم عربهم وعجمهم ابيضهم واسودهم واصفرهم الى واحة السلام ونبذ العنف والشر.. يدعوهم الى الاستماع الى ربهم ليكونوا اوفياء لمهمتهم باعمار الارض وازاحة الظلم من كل مكان.. عاش سيد في موسوعته البديعة يتلقى من ربه ويدعو الانسان كل الانسان في الارض كل الارض بسلام ومحبة واخوة.
كثير من المواقف التي اتخذها خصومه مبنية على سلوك بعض الذين يدعون أنهم أتباعه.. فرموا سيدا بأنه يدعو الى الهجرة والعزلة، وانه يكفر المجتمع والأفراد، وانه يبيح دم الكفار، وانه يدعو للانقلاب على الحاكم بالعنف والقوة، وكل هذا قراءة رديئة لأفكار سيد قطب تكشف مدى التقصد في إساءة الفهم…
اكتشف سيد قطب ان كل محاولات الترقيع المادية للنظريات القائمة او لممارساتها هي فقط عمليات سطحية عبارة عن تخدير لا تحل مشكلات وانه لابد من حلول جذرية لإنقاذ البشرية وهذا لا يتأتى إلا بإسلام صاف من التأويلات الفاسدة والنماذج ميتة الروح.. إسلام النبع الصافي الذي لم يتكدر بفعل مجرى التاريخ من طائفيات خربة واجتهادات لخدمة الأوضاع السياسية وقصور فهم لرسالة الإسلام.
ان التخلف والتجزئة وقيام إسرائيل في قلب العرب وعلى خاصة أرضهم وعتو المستكبرين على الأمة وفشل تجارب الوحدة والنهضة وتحرير فلسطين وتحرير الناس والحفاظ على كراماتهم كل ذلك يدعونا الى السؤال الكبير كيف نواجه التحدي متعدد الأشكال..
يرى سيد أنه لابد من عودة الإسلام بكل قوته ودفقه الروحي والمعرفي والمنهجي ليتمثل به رجال يحملون رسالة رحمة للعالمين يحطموا الطواغيت ويحرروا الناس من استبداد مناهجهم الطاغوتية..
وكانت الخطوات واضحة لدى سيد انه لابد من التوجه بدءا إلى النبع الصافي والتلقي منه للتنفيذ وليس فقط للثقافة والمعرفة.. وخلع كل التصورات الطائفية والعنصرية والأنانية على عتبة الإسلام والارتقاء إلى مستوى الرسالة..
وهنا دخل سيد قطب في تفصيلات الرحلة في كتابه معالم في الطريق وهنا بدأت الانتقادات التي لم تراع وضع الكلمة في سياقها والخطوة في المراد منها.. سيد لم يقل أبدا بتكفير أحد فضلا عن تكفير المجتمع ثم ان سيد لا يرى المشكلة في الكفر او الإيمان لأنه يعتقد ان مسألة الكفر والإيمان مسألة اختيارية لا يحاسب عليه المرء في الدنيا وأمر العقيدة حرية فردية لكل شخص..
فمعركة سيد تتلخص في انه يتصدى للظلم والعدوان على حريات الناس وعقائدهم.. أما الجاهلية التي يتحدث عنها سيد فهي مسألة علمية واضحة فلا يمكن ان تكون هذه الحالة المتآكلة المتناحرة المتخلفة المهزومة صفة من صفات المجتمعات الإسلامية.. ولقد سبق لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان وجه كلامه لأبي ذر الغفاري بأنه رجل فيه جاهلية لان أبا ذر احدث خللا في قيمة إنسانية معينة..

فكيف لو كان في أبي ذر أكثر من هذا الخلل؟ الجاهلية لا تعني الكفر ابدا.. إنما هي عدم تمسك بما يجب التمسك به من قيم وقوانين ترفع مستوى الناس الى الاحتكام لأوامر الله في الإنسانية والوحدة والنهضة والتكامل ورد العدوان.
كثير من المواقف التي اتخذها خصومه مبنية على سلوك بعض الذين يدعون أنهم أتباعه.. فرموا سيدا بأنه يدعو الى الهجرة والعزلة، وانه يكفر المجتمع والأفراد، وانه يبيح دم الكفار، وانه يدعو للانقلاب على الحاكم بالعنف والقوة، وكل هذا قراءة رديئة لأفكار سيد قطب تكشف مدى التقصد في إساءة الفهم، فسيد يقول بالعزلة الشعورية عن المفاسد وسيد لا ينظر باهتمام الى عقائد الناس بمقدار ما ينظر الى المظالم الواقعة عليهم وسيد لا يكفر أحدا ولا مجتمعا ولا يمكن لأي احد ان يأتي بنص لسيد فيه تكفير لأحد المسلمين لان هذه ليست معركة سيد..
جوقة الاعلاميين المهرجين الطبالين في كل موسم وجدت في شيطنته مادة مرحبا بها فاخترعوا الروايات الموجهة من قبل أجهزة، وبمراجعة الأرشيف نكتشف ان هذا المفكر الكبير كان مستهدفا منذ ابتعثته وزارة المعارف في نهاية الاربعينات من القرن الفائت لدورة تدريبية تعليمية الى امريكا حيث اوصت وزارة المعارف بومها اصدقاءها في الولايات المتحدة بالانتباه اليه على اعتبار انه مفكر جذري مؤرق للدولة المصرية…
قد يشدد سيد على ضرورة التمسك بالمنهج الإسلامي وعدم إحداث الخلل في ذلك على طريقة الرسول صلى الله عليه واله وسلم: والله لا يؤمن والله لايؤمن والله لايؤمن من بات شبعان وجاره جائع، او قوله: المسلم من سلم الناس من لسانه او يده.. فهل يفهم من هذا تكفيرا لأحد؟أبدا لا يمكن..انه تشديد على الالتزام..
أما للرد على الكلام عن دعمه للتيارات المتشددة فيكفي ان نقول انه عندما اعتقل في 1954 لم يكن له أي وضع تنظيمي داخل الإخوان وكان مشرفا فقط على صحيفتهم الإخوان المسلمون ولم يكن له أي علاقة بالجهاز الخاص.. وبعد ذلك عندما اعتقل في 1965 اعتقل بشبهة العلاقة بمجموعة من الجهاز الخاص وقد أكدت التحقيقات انه نهاهم عن التفكير في أي عمل مسلح لان ذلك مناف لرؤيته ومنهجه..
ولكن جوقة الاعلاميين المهرجين الطبالين في كل موسم وجدت في شيطنته مادة مرحبا بها فاخترعوا الروايات الموجهة من قبل أجهزة، وبمراجعة الأرشيف نكتشف ان هذا المفكر الكبير كان مستهدفا منذ ابتعثته وزارة المعارف في نهاية الاربعينات من القرن الفائت لدورة تدريبية تعليمية الى امريكا حيث اوصت وزارة المعارف بومها اصدقاءها في الولايات المتحدة بالانتباه اليه على اعتبار انه مفكر جذري مؤرق للدولة المصرية وبعد ان فشلوا باسقاطه من خلال كل عمليات الاجهزة الامنية ضافت به امريكا التي كتب عنها كتابا مهما متنبئا بكل ماحصل بعد ذلك وعاد الى مصر ليخوض النضال ضد الراسمالية والنظام الراسمالي ويكتب كتابا مهما”اسلام امريكاني”.. غاب عن السادة الذين حكموا عليه بالاعدام انهم لا مستقبل لهم وانهم لن يغيروا مجرى التاريخ وان سيد قطب سيبقى في ضمير الانسان الرافض للطغيان واالرافض المساومة على كرامته وحقه في رفض الظلم..
لقد كان سيد قطب احد أهم عطاءات مصر العلمية وسيأتي الوقت الذي يرفع فيه علما على قمم مصر والعرب بعد ان أكرمه الله بان أصبح ملء السمع والبصر.. لقد كان ثائرا عظيما قضى نحبه غير مبدل ولا متردد..رحمة الله عليه.