المخيم الصيداوي «يلفظ» كل ما يمكن أن يحوّله إلى «بارد» جديد عين الحلوة ليس هوليوود.. و«القاعدة» فيه.. أخطبوط بلا أرجل!

Posted By: Siba Bizri

عين الحلوة: لا لـ«بارد» جديد (محمد صالح)

ملاك عقيل – صحيفة السفير

هنا مخيم عين الحلوة.

على بقعة لا تتعدى مساحتها حوالي الكيلومترين مربعين، بمخزون بشري يصل الى أكثر من سبعين ألف نسمة، تتواجد معظم الأجهزة المخابراتية في العالم. واقع نافر لكنه يعكس دقة وخطورة الحسابات التي تحاك أحياناً داخل زواريبه الضيقة. وصمة «إيواء الإرهابيين» تلاحق المخيم برغم حرص «أولياء أمره» على تقديم «براءة ذمة» من «الإرهاب». الجزيرة الفلسطينية الصغيرة تحتوي أسرارا ً وخفايا وأدواراً علنية أو «مكتومة الصوت» اكبر بكثير من بقعتها الجغرافية. الملف الذي كتب عليه «سري جداً» يتحدث عن «ملاذ ضيافة» لعناصر «القاعدة». «أبو محمد توفيق طه»، رأس الشبكة التكفيرية التي حاولت تفجير الجيش اللبناني من داخله، آخر النماذج «الإرهابية» التي تضع المخيم في دائرة الضوء.

منذ انكشاف المخطط الإرهابي لاختراق الجيش، يسمع مسؤولو أجهزة المخابرات كلاماً مطمّئناً من جانب القوى النافذة داخل المخيم، حول تسليم «أبو محمد توفيق طه»، الرأس المدبّر للشبكة التكفيرية والمتهم بقيادة مجموعة تابعة لـ«كتائب عبد الله عزام» في المخيم. لكن مخابرات الجيش، الخبيرة في فك شيفرة «منظومة المصالح» المتشابكة في عين الحلوة، باتت بحكم المتأكدة بعدم إمكان تسليمه. حتى أن مسؤولاً أمنياً كبيراً كان يراجع قبل أيام قليلة أحد «أمراء» المخيم بالأمر نفسه، وكان الجواب: «في هذه اللحظة، وبينما أنت تتحدث معي، ها هو «توفيق طه» يعبر (حي صفوري) وهو في طريقه لزيارة أحد أقربائه في المخيم (حي حطين)». لكن عندما يطرح أحد الصحافيين السؤال على المسؤول الفلسطيني يجيب الأخير «نحن مستعدون للتعاون وتسليم «أبو محمد»… لكننا نجهل مكان إقامته»!.

هو «الستاتيكو» المستنسخ، في التعامل مع «الرؤوس الكبيرة» المطلوبة للعدالة. اللبناني عبد الغني جوهر المتهم بالتخطيط وتنفيذ عمليات ضد الجيش في العام 2008 نموذجاً. وبالرغم من التسويف والمماطلة في ما يتعلق بتسليم مطلوبين للعدالة وعلى رأسهم حالياً «أبو محمد توفيق طه»، فإن الإجراءات الأمنية المشدّدة التي اتخذت في محيط المخيم مؤخراً منعاً لتهريب السلاح أو هروب المطلوبين، قوبلت بتظاهرات بلغت حد التعدّي على عناصر الجيش. مع ذلك، فإن «العقلاء» داخل المخيم، وبينهم «عصبة الأنصار» الإسلامية، يسعون بكثير من الجهد لتلميع صورة المخيم الأمنية.

تعكس الآراء في المخيم بروز أكثرية ترفع لواء «رفض نقل نموذج نهر البارد الى المخيم»، ونبذ كل «ما يتعارض مع نسيجه الاجتماعي والسياسي». بعض المجموعات تغلّف «نياتها» بجدار من السرية، وهي على الأرجح «نائمة» في أزقة «مخيم الطوارئ» الى أن تأتي الأوامر إليها بالتحرك. «لسنا في هوليوود»!

مذ تفجّر البركان السوري، احمرّت العين اكثر على مخيم عين الحلوة. وفي مقابل الحديث المستمر عن تسلّل «عناصر اصولية» الى داخله، في محاولة لتنظيم الصفوف تحت راية « تنظيم القاعدة» وفكره، تحضر وجهة النظر المضادة التي تؤكد على غياب الحاضنة الشعبية للتنظيمات الأصولية، وعلى رأسها «فتح الإسلام».

يقول مسؤولون في المخيم إن «تجربة شاكر العبسي هي افضل دليل على ذلك. لو وجدت الحاضنة الشعبية لمشروع «فتح الإسلام» في المخيم لما تمكّن الجيش اللبناني من تطويق هذه الحالة. عندما دخل شاكر العبسي الى عين الحلوة جذب بعض المتحمسين الذين ما لبثوا ان تركوه لاحقاً. بعدها انتقل الى الشمال. الأمر نفسه ينطبق على عبد الرحمن عوض الذي «لفظه» المخيم، ولم يجد من يتبنّى حالته العسكرية والامنية».

فلسطينيو عين الحلوة يسخرون من «الفبركات» المدسوسة: «مخيم الطوارئ» ليس قندهار. ليست كل اللحى «إرهابية». بالتأكيد لا تسمع من يتبنّى ما بات يعرف بـ«كتائب عبد الله عزام».

يجزم قائد المقر العام لحركة «فتح» منير المقدح بأن «لا بؤر خارجة عن السيطرة في المخيم وبأن لديه مقاتلين يدخلون»الطوارئ»، وأتجول ساعة أشاء داخله». ينطبق الأمر على باقي القوى الأخرى في المخيم. الثقل السلفي في هذه البقعة لم يعد يشكّل مصدر قلق للفصائل الفلسطينية الحريصة على تثبيت «ورقة التفاهم» مع الأجهزة الأمنية اللبنانية. ثمة تسليم بالطابع «الحسّاس والدقيق» لمنطقة «الطوارئ» التي تحضن نحو أربعة آلاف نسمة، فيما 30 في المئة من قاطنيها من اللبنانيين. على هذه البقعة، يوجد «التنظيم الناصري»،»الأحباش»، «تيار المستقبل»، «حماس»، «الجهاد الإسلامي»، «عصبة الأنصار»، «حزب التحرير»، وعناصر من «فتح الإسلام» و«جند الشام»… خليط لا يخفي الجوهر. «ففي «مخيم الطوارئ» حسابات غير مرئية، لا يفك شيفرتها سوى أصحابها»، يقول مسؤول أمني لبناني.

تنفي قيادات الفصائل الفلسطينية والقوى الإسلامية وعلى رأسها «عصبة الأنصار» التقارير التي تتحدث عن إعادة تنظيم مناصرين لـ «القاعدة» وبقايا «فتح الإسلام» و«جند الشام» والمنشقين عن «عصبة الأنصار» تحت مسمّى «كتائب عبد الله عزام» كفرع جهادي تابع «لتنظيم القاعدة». تحاول تبسيط الصورة الى الحد الأقصى «ففي النهاية المخيم هو عبارة عن أحياء تقطنها عائلات. لا يمكن اي عناصر «غريبة» ان تتخفى من دون ان ينفضح امرها. لم يعد هناك احد راغباً بالاشتباك مع الدولة اللبنانية ولا بتصدير أو إيواء إرهابيين، ولا بتأجيج الفتنة السنية الشيعية واستفزاز «حزب الله».

منذ سنوات ثبّتت كاميرات مراقبة في العديد من مداخل المخيم، كما عدد من الأحياء الداخلية. يرى كثيرون ان هذه الخطوة كانت كفيلة بتقليص التحركات المشبوهة الى حدها الأدنى. الحديث عن «حجّ» أصولي وتكفيري لا يعدو كونه، برأي بعض قيادات المخيم، «محاولة لجرّ المخيم الى النار». لا أحد هنا يملك رواية موحّدة عن كيفية انتقال عبد الرحمن عوض من عين الحلوة لينتهي قتيلاً في البقاع على يد مخابرات الجيش اللبناني في العام 2010. «إخراج» شاكر العبسي من المخيم ومصير عوض من بعده، يقود أحد فلسطينيي المخيم الى تأكيد «المؤكد»: عين الحلوة «يلفظ» كل الأجسام الغريبة التي يمكن ان تحوّله الى نهر بارد جديد. أيضاً ثمة «كلمة سر» مرّرت الى «المجاهدين» في «فتح الإسلام» و«جند الشام» وتنظيمات أصولية أخرى تفيد بأن لبنان ساحة نصرة وليس ساحة جهاد، ومن يريد ان يقاتل.. فإلى ســوريا در»!«قنبلة موقوتة»الباحث عن «آثار» لتنظيم «القاعدة» في مخيم عين الحلوة، يبدو كمن يفتش عن سراب. لا أحد هنا يقرّ بوجود حتى نواة له. الالتقاء الفكري والتعاطف شيء والالتزام بالتنظيم شيء آخر. على الأغلب معظم القوى الإسلامية المعتدلة والمتطرفة منها «مشبّعة» بفكر «القاعدة». العارفون يتحدثون عن «مجموعات غير مسيطر عليها» تتخذ من «الطوارئ» ملاذاً لها. مجموعات توصف بـ«القنبلة الموقوتة» القابلة للتفجير في اي لحظة عندما «يكبس زر التشغيل»، وقد يكون «توفيق طه» أحد نماذجها.

بالأرقام، المجهر الأمني يرصد مجموعة من عناصر «فتح الإسلام» لا يتجاوز عددها الـ 25 يتزعمها أسامة الشهابي ونحو 20 عنصراً من «جند الشام» يقودهم عماد ياسين. لدى الأجهزة اللبنانية لائحة طويلة من «المطلوبين» تصل الى 900 مطلوب. التهم تتدرج من الدعارة والمخدرات والسرقة وصولاً الى الإرهاب. من «الرؤوس»: السعودي ماجد الماجد، اللبناني عبد الغني جوهر (تؤكد «عصبة الانصار» عدم وجوده داخل المخيم)، محمد الدوخي (خردق)، زياد أبو نعاج، يوسف شبيطة، توفيق طه… أسماء تلاحقها وصمة الارتباط الخارجي مع تنظيم «القاعدة» في العراق والسعودية.

وخلافاً للتقارير التي تتحدث عن دخول عدد من «المجاهدين» الى المخيم في الآونة الأخيرة، تحديداً بعد اندلاع الأحداث في سوريا، تجتمع كل من «فتح» و«عصبة الأنصار» والقوى الفلسطينية على دحض هذه التقارير. يتحدث قادة المخيم عن تنسيق جدي بدأ قبل نحو اكثر من اربع سنوات مع العميد عباس ابراهيم، مدير فرع مخابرات الجيش في الجنوب آنذاك، واستمر مع مدير فرع مخابرات الجنوب الحالي العميد علي شحرور وأثمر تسليماً لبعض المطلوبين واستمرار التفاوض حول آخرين، وشبه حصار على دخول عناصر اصولية متطرفة قد تحوّل «الطوارئ» الى غرفة عمليات «جهادية». الدليل الأكبر الذي يشهره هؤلاء للتأكيد ان لا وجود لـ«القاعدة»، هو إشارتهم الى «ان الفترة التي تلت حرب تموز وأحداث السابع من أيار شكّلت أرضاً خصبة لـ«القاعدة». لكن الأحداث الأمنية التي حصلت بعد ذلك لم تحمل أبداً بصمات «القاعدة».أزمة تمويل

تعتبر «عصبة الأنصار»، التي ترتبط بعلاقة عقائدية (وليس تنظيمية) بـ«القاعدة»، الأكثر نفوذاً داخل «الطوارئ». تحوّل هذا التنظيم بعد أحداث مخيم نهر البارد والصدامات الفلسطينية المتكررة في «البيت الفتحاوي» وقرار التطويع اللبناني، من «المطلوب الرقم واحد» الى صمّام أمان داخل المخيم، بعدما انتقلت «العصبة» من دائرة الصراع مع «فتح» والأجهزة الأمنية اللبنانية الى دور «شيخ الصلح» بين القوى الفلسطينية وبين «جند الشام» والجيش اللبناني. قدّمت «عصبة الأنصار» ما يشبه أوراق الاعتماد امام فلسطينيي المخيم والدولة اللبنانية. «نحن أقدر الناس على التفجير ووضع العبوات وتوتير الأمن لكن لن نخوض حرباً ضد الدولة إلا عندما يصدر الأمر بضرب المخيمات وتدميرها»، يقول أحد المسؤولين في «العصبة».
نقص التمويل عامل أساسي يقود المطلعين على خريطة المخيم الى الاستنتاج بأن التنظيمات المتطرفة داخله، وخاصة تلك الدائرة في فلك «القاعدة»، لا تعدو كونها أخطبوطاً من دون أرجل. بعد اغتيال زعيم «التنظيم» أسامة بن لادن في باكستان في أيار الماضي وحلول أيمن الظواهري مكانه بدأ الحديث عن أزمة تمويل. يرى البعض اليوم أن إمكان انتقال «عدّة الجهاد» لـ«القاعدة» الى سوريا لا يعني حكماً انخراط المخيم في مشروع «تصدير» المجاهدين، وذلك بسبب الطوق الأمني المشدّد وعدم رغبة القوى الفلسطينية في جرّ المخيم الى حسابات اكبر منه. ثمة من يفصل هنا بين ما يجري على الحدود اللبنانية السورية من تحركات لعناصر أصولية وبين حسابات «عين الحلوة».
أهم من ذلك، يبدو المخيم بأكثريته في حالة ترقب لما يجري في دمشق، حتى بعد إعادة التموضع التي نفذتها «حماس» حيال مجريات الثورة السورية. يشيد منير المقدح بموقف القوى الإسلامية، ويردد: «بالتأكيد نحن ضد الفتنة السنية الشيعية». مسؤول «عصبة الأنصار» أبو طارق السعدي يقول «كقوى إسلامية لم نعط أي موقف من الوضع في سوريا حتى الآن. نحن نقرّ بأن هناك ظلم وقتل بغير حق. لكن لا استطيع أن أوازن بين النظام في سوريا وبين نظام حسني مبارك


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *